الصفحة الرئيسيةمقالات ودراسات
عندما يجتمع الرجال
هذه عاهرة لأنها لا تلبس فستانا طويلا، وتلك عينها يا لطيف تدعو للفساد
الأربعاء ١ حزيران (يونيو) ٢٠٠٥
بقلم عادل سالم

عندما يجتمع الرجال العرب، كل الرجال إلا قليل منهم يشكلون استثناء، ويتبادلون الحديث، أي حديث، سواء كان في السياسة أو الأدب أو الاقتصاد أو حتى الحرب، فهم لا بد سوف يعرجون إلى ساحة النساء للحديث عنهن بسبب أو بدون سبب وليس في ذلك أي عيب، لولا أن الحديث يشط في الغالب عن المعقول ويتجاوز الحديث عن جمالهن، وسحرهن، وكيدهن، إلى الحديث عن ضعف المرأة وانحرافها واعتبارها سبب الفساد في المجتمع.

فهذه عاهرة لأنها لا تلبس فستانا طويلا، وتلك عينها يا لطيف تدعو للفساد، وأخرى تمشي بشكل يدعو للانحراف، ورابعة تنزل من البيت لتتصيد الرجال … الخ من التهم الجاهزة لدى الرجال ضد النساء التي قلما نسمع أن رجلا اتهم بها.

الرجل إذا أحب امراة فهو على حق، أما المرأة فإن أحبت رجلا فهي ترتكب المعاصي والآثام، وهي فاجرة تستحق الجلد والسلخ، والمرأة إن تزينت في مجالس الرجال فهي امراة لعوب تريد إغواء الشباب، فيما يحق للشباب أن يتزينوا في أي مجلس ذهبوا إليه حتى لو كان إلى الصلاة .

على أن الحديث لا يقتصر على هذه الامور الدارجة فقط بل يمتد إلى أبعد من ذلك، فالمرأة في مجالس الرجال قاصر لا تستحق قيادة المجتمع ولا مؤسسة اجتماعية ولا حتى قيادة أسرة وهي ذو "عقل صغير" لا تهتم إلا بالقشور وبالأزياء وآخر الموديلات ..الخ
المرأة عند الرجل العربي ليست سوى آلة متعة، وماكينة لتفريخ الاطفال، وفي أحسن الأحوال فهي الأم الحنون والأخت والزوجة الصالحة. أما عن حقوقها السياسية والمدنية فهذه كلها مصادرة، لأنها لا تصلح لغير ذلك.

قبل فترة كنت في جلسة في أحد المقاهي فسمعت أحدهم يصرخ ويزبد بأن المرأة لا يحق لها أن تكون رئيس دولة، أو حتى مختار حارة لأنه حسب رأيه لم تخلق إلا لتربية الأطفال، وعندما اعترضت على حديثه انبرى آخر واتهمني بالجهل ولشدة عجبي أن المتحدث كان من الذين يحملون شهادة الدكتوراة. كنت سأتفهم رأيه لو كان من التيارات الإسلامية أو من الإخوان المسلمين لكنه لم يكن كذلك، بل لم يكن حتى يقيم الصلاة، وكان يقضي سهراته الليلية مع الحسناوات الأمريكيات وفي كاسينوهات شيكاغو الأمريكية.

تشعب النقاش وبدأ الصياح والزعيق وبدا للناس المجتمعين أنهم انتصروا لأن شخصا واحدا فقط كان من المعارضين لتلك التفاهات والمؤيد الوحيد لحق المرأة في المساواة مع الرجل في شتى ميادين الحياة .

لقد غاب عن المجتمعين على ما يبدو أن سبب تاخر المرأة عند العرب هم الرجال أنفسهم الذين يعلمونهن منذ الصغر أنهن لا يصلحن إلا لمطبخ الحياة الزوجية .
ويعرف الرجال تماما أنهم هم الذين يضعون القوانين والدساتير فيما يخص المرأة وهم أيضا الذين يصنعون العادات والتقاليد والأوهام حول المرأة وهم الذين يقررون معاقبة النساء وغض الطرف عن الرجال فيما يمارسونه من فواحش .

وإذا كانت المرأة ضعيفة في شخصيتها فلإن الرجال علموها منذ الصغر أن تكون هكذا وهم الذين يحتقرون المرأة القوية الشخصية التي تعتمد على نفسها في اتخاذ قرارها وإدارة شؤون حياتها .

الرجال الذين يدعون أن الدين هو الذي يعطيهم الحق في أعمالهم ضد المرأة، وكأنهم حاملو الدعوة وناشروها، هم أنفسهم الذين لا يقيمون أية شعائر دينية ولا يتذكرون الدين إلا عندما يريدون أن يبرروا فيه مواقف يتخذونها أو معاصي وآثام يرتكبونها. وهم لا يعرفون شرع الله إلا عندما يتعلق الأمر في المرأة التي على أكتافها يعلق الرجال أخطاءهم وفضائحهم .

حتى الرجال الذين يريدون شتم آخرين مثلهم فهم دائما يذكرون عورات أمهاتهم أو أخواتهم أو عماتهم … إلخ من الأقارب النساء ويتهمونهن بأبشع الاتهامات الكاذبة فيما يكون الرجال المعنيون يتصفون بآلاف الصفات السيئة والخبيثة .
المرأة في عالمنا العربي مثار سخرية ومثار استهتار وفي أغلب الحالات فقد يقبل بها عالم الرجال أن تكون مسؤولة في مؤسسة خيرية ترعى المعاقين، أو المرضى، أو الأطفال. أما أن تكون عالمة اقتصاد، وخبيرة سياسية، أو عالمة مرموقة، أو قاضية حكيمة فهذا صعب ويحتاج إلى كفاح طويل لتحقيقه فما بالك لو كانت رئيسة وزراء أو وزيرة خارجية ؟؟

نعم صحيح إن المرأة في مجتمعنا متخلفة أكثر من الرجل وصحيح أيضا أن الغالبية الساحقة من النساء تهتم بشكل خاص بآخر الموديلات وتسريحات الشعر، وصحيح أيضا أنهن يمضين معظم وقتهن لمشاهدة برامج التلفزيون التافهة وطق الحنك وتقليم أظافرهن … إلخ لكن لو سألنا أنفسنا ما سبب كل ذلك ؟
ألسنا نحن الرجال الذين علمناهن منذ الصغر أن يكن كذلك ؟! ولا نريدهن غير ذلك.

كم واحداً منا نحن الرجال يعلم زوجته أن تساعده في شؤؤن عمله ؟ كم واحداً منا حاول أن يعلم زوجته شيئا مما يعرفه لتساعده في شؤون الحياة ؟
كم واحداً يناقش مع زوجته شؤون البيت والعمل ويتخذ قراره بالاتفاق معها ؟
كم رجلاً يصرف على تعليم ابنته قدر ما يصرف على تعليم ابنه؟

السؤال الأهم من ذلك، لماذا يقف المجتمع بصرامة ضد المرأة التي تخرج للحياة كالرجل تعمل وتتعلم وتبني حياتها بيدها ؟؟

لماذا يخاف الرجل نفسه من الزواج من امرأة لها شخصيتها وكيانها ويحب التي تخفض بصرها عندما ينظر إليها، لا التي تنظر إليه بكل إباء؟؟ لماذا يحفظ الرجل معظم الأحاديث النبوية التي تدعو الزوجة لإطاعة زوجها، وينسى الأحاديث التي تنهى عن الزنا وعن الخمر وعن السرقة ووووو؟

إنهم يقيدون المرأة، يجلدونها كل يوم بسياط التبعية والتخلف والوهم، يعلمونها مفاهيمهم البالية التي يجعلون منها مقدسات يحظر تجاوزها ثم يقولون: إن المرأة لا تصلح لقيادة المجتمع .

الرجال العرب في أمريكا يأتمرون بأمر شرطية أمريكية، قد تكون قصيرة القامة ولا تصلح عندنا أن تكون جارية حسب نظرتنا للمرأة، ويلتزمون بأوامر موظفات المهاجرة الأمريكية، ويقولون لهن بأدب: يس مام، ويستمعون إلى موظفات البنوك بانتباه ويتناقشون مع عضوات في الكونغرس الأمريكي ولكنهم عندما يتعلق الأمر بالمرأة العربية فهم يسخرون منها ومن قدراتها لأنهم علموها أن تكون كذلك .
وإذا كانت التجربة خير برهان فعلى مجتمع الرجال أن يفتح المجال للمرأة لتأخذ دورها في المجتمع وتتعلم كيف تكون قائدة فاعلة. وإذا كان صحيحا أن على الرجل أن يرفع قيوده عن المرأة فعلى المرأة أيضا ان تكافح ضد عبودية الرجل وسيادته. عليها أن تكافح من أجل حقها في المشاركة في شتى شؤون الحياة، وحتى تستطيع المرأة النجاح فعليها أن تبدأ في وقف ظلم نفسها لنفسها .

عليها أن تتوقف عن ممارسة التمييز بين بناتها وأبنائها، وعليها أن تكافح وتتظاهر وتقيم الدنيا لتغيير كل قوانين الطلاق الظالمة وضد قوانين العنصرية التى تمارس ضدهن مثل منعهن من سياقة السيارات كما هو الحال في السعودية ومنعهن من ممارسة حقهن في الانتخاب والترشيح لمؤسسات الدولة المختلفة كما يجري في دول كثيرة. إن أول مهمة على المرأة القيام بها هو أن تتضامن مع زوجة ابنها عندما يضطهدها زوجها، ولا تقف مع ابنها لتحرضه على زوجته.

إذن أمام المرأة مهمات جسام وتحتاج منها لمواجهة كبرى وهي لا شك تطمح لمساندة القلة القليلة من الرجال الذين يؤيدون هذه الحقوق بلا تردد. لكن الرجل العربي بشكل عام يدفع بكل ثقله لطمسها مستغلا كل امكانياته ونفوذه لمحاربتها فيما المؤيدون لحق المرأة مترددون لأن معظمهم مستفيد من القوانين التى تجعل منهم أسيادا والنساء عبيدا .

متى تهب المرأة للمطالبة بحقها كإنسانة وكمواطنة، لا حقها كأخت وأم وزوجة، فتلك حقوق مفروضة ولا تحتاج لقانون ؟!

أخت الرجل وأم الرجل وزوجة الرجل، وابنة الرجل، وعشيقة الرجل، فماذا بقي للمرأة لا ترتبط به بالرجل ؟

متى تفهم النساء أن لا حرية لهن ما دمنا مستسلمات لقيود الرجل وسجنه الرهيب؟؟


تعقيبك على الموضوع
في هذا القسم أيضاً