الصفحة الرئيسيةظلال الياسمين
لا أتقمص دور شخصيات رواياتي ولكني أعايشه
ليلى الأطرش في حوار مع ديوان العرب
لا أؤمن بالاستنساخ أو الهيمنة بل بالديمقراطية المطلقة
الخميس ٢٥ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٧
بقلم عادل سالم

منذ صدور روايتها الأخيرة في العام 2005 (مرافئ الوهم) وأنا أبحث عنها ليس لكي أجري معها لقاء أدبيا عابرا ولكن لكي أحاول الغوص في أفكارها، لعلي أعرف هل لا زالت شخصيات روايتها تعيش معها أم أنها ودعتهم جميعا عندما دفعت بالنص النهائي إلى المطبعة؟

ليلى الأطرش واحدة من الروائيات العربيات اللواتي لا يكتبن الرواية وإنما يبدعنها، فتشعر وأنت تقرأها أنك تعيش الحدث وتشارك مع الشخصيات، وكأنك سمعت عنهم أو عايشت بعضهم.

في مطلع شهر تشرين ثاني 2006 شاءت الصدف أن أتعرف على موقعها، ولا أدري لماذا ضاع عني طيلة المدة السابقة، وأنا الذي أتنقل في فضاء الإنتر نت ليل نهار، فسارعت واتصلت بها.

كنت أتوقع الحوار معها صعبا، كما حصل مع كاتبات أخريات كنت أحرص أن ألتقي معهن، فأنا ممن يحبون حوار الأدباء لأني أجد متعة روحية في التحلق في فضائهم الإبداعي، لكني وجدت ترحيبا لا يصدر إلا عن كتاب امتلكوا أدوات الإبداع الحقيقي.

سيدة ليلى الأطرش يسعدنا اللقاء معك، ليس فقط لنقدمك لقرائنا، ومحبي الأدب، والثقافة، ولكن لأن الحوار معك يفتح الشهية للتنقل من كتاب لآخر ومن رواية لأخرى؟

 روايتك الأخيرة (مرافئ الوهم) صدرت في العام 2005، وهي من الروايات التي كتب كثيرون عنها، شخصيات هذه الرواية، هل لا زالت تعيش معك؟ أم أنك ودعتيها بعد انتاء النص ونشره؟

 ليلى: مع المراجعة الأخيرة للنص أكون قد خرجت من عالم الشخوص الذين أحركهم فيه، وبعد قراءة الرواية مطبوعة لمرة واحدة لاكتشاف تقيد الناشر بالنص وعدم وجود أخطاء يصير العمل ملكا للقارىء والناقد، أما بعد صدور الرواية مطبوعة فيصير النص ملكا للآخرين، ولهذا لا أذكر أنني عدت إليه إلا لمراجعة أمر أثاره النقد. ليس من طبعي التأسي على الماضي أو الوقوف عنده طويلا، وما نشر من أعمال هو ماض أدبي لا يمكنني التنكر له أو تغييره لأنه يمثل مرحلة من كتابتي. ولكنني أسعد جدا إذا تلقى الآخرون هذا النص بتفاعل، وشعرت من المراجعات النقدية أنهم أحبوه وأن شخصياتي أقنعت من قرأها، ولعل مرافىء الوهم من أكثر أعمالي من حيث الدراسات النقدية والمراجعات منذ ظهورها وهي فترة قصيرة بالتأكيد.

 لن نسألك إن كان لديك مشروع رواية أخرى، فهذا ما نتوقعه، ولكنا نسأل هل تتقمصين دور الشخصيات قبل كتابة الرواية أم هي مجرد أحرف على الورق تفكرين بها عندما تمسكين القلم لتكتبيها؟
 ليلى: لا تقمص بل معايشة تبدأ بفكرة أو سؤال يستدعي بناء أدبيا ويحدد الإطار والشكل الروائي أو القصصي.
والتفكير هو الذي يستغرق مني وقتا طويلا، الكتابة أمرها ميسور بعد أن تنضج الملامح العامة للشخصيات الأساسية في ذهني وأقتنع بواقعيتها. وفي أثناء ذلك أدون بعض الملاحظات والخواطر التي تداهمني عن خواطر ومواقف وشخوص متخيلة لئلا أنساها، وقد أستفيد منها حين كتابة الرواية أو ألقي بها جانبا.

لا أتقمص الشخصية تماما، ولكنني أحس بها كائنا حيا بعد أن ألبسها لوجه أعرفه أو تخيلتهن ثم أتركها تتحرك مع الأحداث وتتفاعل مع الشخصيات الأخرى وتتقاطع معها، سواء المحورية منها أو المساندة. وهنا تنشأ معرفة وثيقة جدا بيني وبينهم، أستطيع معها أن أراهم وأحس بما يعانوه، وأغوص في دواخلهم ونتحد طالما أنا أكتبهم، وربما لهذا أجمع النقاد على قدرتي في فهم نفسيات شخصياتي وتحليلي العميق لها حتى كتب د. عبد الرحمن ياغي عن ليلتان وظل امرأة بأنها رواية نفسية ، وقد قررت في الجامعة الأردنية لتدرس في كلية الآداب. ورغم محاولتي الإمساك الدائم بخطوط الشخصيات ومساق الأحداث إلا أنها كثيرا ما تتمرد على ما رسمته وتقودني إلى مناطق ومواقف لم تخطر لي في التفكير الأولي.
 كم من الوقت يستغرقك كتابة الرواية منذ ورود الفكرة إلى ذهنك؟
 ليلى : اختلف الأمر من رواية إلى أخرى حسب قدرتي على التفرغ لكتابتها. وتشرق غربا استغرقت ستة أشهر لإنجازها بينما فكرت وبحثت أكثر من عام ،أما التفكير في إمرأة للفصول الخمسة فقد استتبع قراءة واسعة لموسوعة السلاح وكتاب صائد الجواسيس والسواعد السمر عن بدايات البترول في قطر، وشاهدت أفلاما قديمة عن الخليج في مكتبة شركة شل للبترول ، وألقيت كل ذلك جانبا ثم بدأت العمل الروائي، ولانشغالي ببرامج تلفزيونية وسفر لإعدادها فقد كتبتها خمس مرات، لأنني انقطع ثم أعود فأكون قد نسيت ما كتبته أو قل خرجت من أجوائه، ولا بد من إعادة الكتابة لألتحم مع الشخوص والأحداث من جديد.
رواية مرافىء الوهم استغرق التفكير والإعداد لها أربع سنوات، قرأت عن تاريخ العراق وأحزابه والتكوين الاجتماعي للسكان ثم عدت لكتب الأحوال الشخصية ودليل القضاء الجعفري ثم كتبتها في أقل من ثلاثة أشهر.

 تطور الفضائيات العربية ودخولها كل بيت تقريبا، هل ساهم في خدمة الأدب،والرواية تحديدا؟ وما المطلوب من الفضائيات عمله لخدمة الحركة الثقافية؟

 ليلى: الإعلام الفضائي هو لغة العصر، ولا بد أنه يعرِّف بالكُتّاب والأدباء وإن ظلت الثقافة بوجه عام مهمشة في الفضائيات تماما كما كانت في معظم المحطات الأرضية الرسمية قبل منتصف التسعينات. لقد كان تكريس مذيع لبرنامج ثقافي يعني القضاء على جماهيريته العريضة، ويصير مذيع النخبة التي لا تتجاوز 5% عادة من المشاهدين، وما زال البرنامج الثقافي هو المركب الصعب الذي لا بد من خلطه بالمنوعات الثقافية والفنية ليستقطب المتلقي. وكانت برامج الهز والمنوعات والضحالة هي السائدة والأكثر مشاهدة . ولهذا - وفي زحمة الفضاء الآن بالمحطات- نجد أن المنوعات والأغاني هي الأكثر مشاهدة وتفاعلا مع الشباب وحتى الكبار في الضغط النفسي الكبير نتيجة تردي أوضاع عالمنا العربي الاقتصادية والسياسية.. وليست الصورة قاتمة إلى هذا الحد فقد أفردت بعض المحطات برامج للثقافة بل ومحطات متخصصة، وهذه بلا شك تعمل على التعريف بالأدباء والمفكرين وتقديم إنجازاتهم، تماما كما عملت السينما على التعريف بأعمال رواد الإبداع الروائي عبد الحليم عبد الله ونجيب محفوظ ويوسف إدريس وإحسان عبد القدوس ويوسف السباعي مهما كان الاختلاف على القيمة الأدبية للأخيرين. وكما قدمت الأغاني كلمات شعراء منذ عبد الوهاب وأحمد شوقي في أوبريت مجنون ليلى ثم قصائد أم كلثوم ونزار قباني وعبد الحليم حافظ ونجاة الصغيرة والآن كاظم الساهر.
  هل تفكرين بعرض روايتك للسينما أم ستتركين للمخرجين أن يكتشفوها بأنفسهم؟
  ليلى: للأسف ليس هناك صناعة سينمائية في الأردن، ولكن عددا من أعمالي تحول إلى مسلسلات إذاعية " صهيل المسافات" و" ليلتان وظل امرأة" وعددا من القصص القصيرة التي كتبتها. والآن يعكف المخرج حسين نافع على تحويل مرافىء الوهم إلى مسرحية ستقدم هذا الصيف.
الحقيقة أنني لا أكتب وفي ذهني تحويل الرواية إلى فيلم أو مسلسل، تلك نوع آخر من الكتابة بالتأكيد لا أجد الوقت لممارستها لأن الإعلام خطف مني مشواري الإبداعي طويلا. لقد مارس نجيب محفوظ كتابة سيناريوهات سينمائية دربه عليها المخرج صلاح أبو سيف، وكان يترك لمخرج أعماله الروائية الحرية المطلقة في تقديم رؤيته الخاصة عند تحويل الروايات إلى أفلام.

 ترجمة الروايات العربية للغات الأجنبية أو العكس تركز كلها على الترجمة إلى اللغات الأوروبية بشكل خاص، أين نحن من التبادل الثقافي والروائي بين العرب والشعوب الآسيوية والإفريقية؟؟
 ليلى: حتى الترجمة إلى اللغات الأوروبية ما زال يحكمها الكثير من العلاقات الشخصية وعدم وصولها إلى قطاع القراء العاديين في بلادهم، واقتصارها على الأكاديميين والباحثين، وهناك اهتمام من دول آسيا وإفريقيا ولكنه محصور أيضا في النطاق الأكاديمي.

وفي رأيي أن الترجمة للغتين الإنجليزية والفرنسية هما المفتاح الحقيقي للوصول إلى العالم، فكثير من الترجمات تتم عبر قراءة الأعمال التي ترجمت إليهما أصلا، ولهذا حين يترجم عمل إلى الإنجليزية أو الفرنسية تتقاطر عليه لغات العالم الأخرى.
ويمكن تشجيع تبادل الطلاب مع دول آسيا وإفريقيا فحين يدرسون العربية ينقلون إلى بلدانهم الأعمال الأدبية التي تعجبهم ، لقد درسوا لي " وتشرق غربا "في كوريا وكان ذلك عبر مدرسة جامعية جاءت لدراسة العربية في الجامعة الأردنية.
 هل تشعرين أن الأديبات العربيات قد أخذن فعلا دورهن في الحركة الثقافية العربية، أم لا زلن في بداية الطريق؟
 ليلى:
استطاع الأدب الذي تكتبه النساء العربيات أن يأخذ مكانته بتحقيق الكاتبات لشروط الإبداع كلها، وتجاوزت الكاتبة الحديثة معظم التابوهات بجرأة لافتة حتى ممن يعشن في بيئات منغلقة اجتماعيا، وأتقن اللغات والاطلاع على الآداب العالمية.
ولا يمكننا القول إنهن في بداية الطريق!. كيف؟ كتبتالنساء الرواية قبل الرجل نهاية القرن التاسع عشر وكان هناك رائدات ملك حفني ناصف وبنت الشاطىء ومي زيادة ودرية شفيق، ثم نوال السعداوي وكوليت خوري وليلى بعلبكي ثم غادة السمان وبداية مرحلة لأدب تكتبه النساء فيه كثير من الفنية والمضمون العميق في الرواية التاريخية والسياسية والاجتماعية.

 ماذا تحبين أن تكون ابنتك أو ابنك؟ نسخة عنك أم تتركينهم يختارون دون تدخل منك؟ ألا تحلمين على الأقل أن يصبحوا مثلك؟
 ليلى: اريد لأبنائي أن يكونوا خيرا مني في كل شيء، ولا أؤمن بالاستنساخ أو الهيمنة بل بالديمقراطية المطلقة في علاقتنا وبالصداقة معهم والاقتراب منهم حتى تلاشي المسافات، وبهذا يصير التوجيه الذي أقدمه لهم أو النصح مقبولا . وأولادي أصدقائي، ولكن ابنتي سارتا على خطواتي الإعلامية أما ابني فابتعد لدراسة الهندسة الكيماوية.

 لو عادت لك الحياة من جديد، هل كنت ستختارين نفس الطريق ؟
 ليلى: لا أحب "لو " لأنها تعني التأسي ضمنا على ما فات، نعم سأختار الكتابة لأنها قدري ولكنني سأقيم توازنا أكبر بين لقمة العيش" الإعلام" والكتابة الأدبية التي لا تطعم خبزا للأسف في عالمنا العربي.
 هل أنت راضية عما وصلت إليه؟ هل حققت بعض طموحك؟
 ليلى:
إذا رضي الإنسان بما حقق يعني أنه فقد الطموح والإنجاز ، ولهذا أحس أنني ما زلت قادرة على تجاوز ما حققت رغم الاحتفاء الكبير من النقاد بمنجزي الأدبي.
 بماذا تنصحين الكتاب الشباب الطامحين باحتلال عرش الآباء والأجداد بسرعة؟ هل تأثرت الرواية بعصر السرعة؟
 ليلى:
لا أحب دور الناصح، ولكنني أتمنى عليهم الاطلاع الدائم والقراءة أكثر من الكتابة، ومعرفة ما حققه من قبلهم ليسهل عليهم تجاوزه.


تعقيبك على الموضوع
في هذا القسم أيضاً