الصفحة الرئيسيةقصص وسرد
لماذا يا رفيق؟
الأحد ١٠ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٠
بقلم عادل سالم

أعرف أنك كنت على خلاف مع الحزب، وأنك اعترضت على تصرفات قيادته، واتهمتها باتهامات كثيرة منها البيروقراطية والفردية .. ومن يدري قد تكون محقا في كلامك وقد أيدك كثيرون وتبنوا وجهة نظرك. وطلبوا بإصلاحات جذرية داخل صفوف الحزب، لكن القيادة العليا أصمت آذانها، ولم تستجب لشيء من مطالبكم. ولو أنك أعلنت استقالتك من الحزب، أو تمردت عليه لتفهم كثيرون موقفك ولم يعتبوا عليك.

وربما لو تخليت عن النضال كله وهاجرت من فلسطين إلى بلاد الغربة كما فعل كثيرون غيرك لوجدت من يتفهمك، لكنك قمت بممارسات لم يجد أحد تفسيرا لها سوى....

أأكون قاسيا عليك لو قلتها؟ هل أظلمك؟ كيف تسول لك نفسك أن تفعلها؟

أكثر من عشر سنوات في درب الكفاح كنت خلالها أحد الكوار الوطنية التي يعتز بها أهل الشمال، شمال فلسطين، وطاردك جيش الاحتلال في أزقتها. أعترف أنك كنت رمزا نضاليا وقف أمام محققيه بصلابة وجرأة، وصان شرف الحزب، والوطن، ولهذا كنت أحد قيادة الحزب في الداخل. لقد وثق بك الناس كرمز وطني ضحى وقدم خيرة سنوات عمره مطاردا وخلف القضبان، وعندما قررت في لحظة من اللحظات أن تمارس التجارة لتبني لك مستقبلا كما الآخرين خصوصا بعد أن هرول أبطال الثورة نحو «أوسلو»، شجعك الآخرون على ذلك.

كنت تعلم أن أصحاب المال لن يدعموك، ولن يشاركوك، فأنت محسوب على اليسار، والتجار محسوبون بشكل عام على اليمين. فخطرت لك فكرة جمع مبلغ من المال من زملائك كمستثمرين وافتتاح مشروع كبير تقوم أنت بإدارته، وبالفعل استطعت أن تجمع أكثر مما توقعت، فالثقة التي منحك إياها الناس كانت كبيرة. ثقة بنيتها عبر السنوات ولم تأت ثمرة يوم، أو شهر، أو سنة.

لماذا لم تفتح المشروع؟ ما الذي منعك أن تبدأ؟
قلة الخبرة؟ الخوف من الشغل؟ فلماذا بدأت إذن؟ لماذا فكرت بذلك؟

ما الذي فعلته في ذلك اليوم حينما بحث عنك الأصدقاء والرفاق فلم يعثروا لك على أثر؟ كانوا يعتقدون أن جيش الاحتلال أسرك كما أسرك في السابق، وأنك الآن خلف القضبان من جديد.

كان رفاقك الذين قدموا لك مدخراتهم لتستثمرها لهم جاهزين ليسامحوك بالمال الذي قد يكون الجيش صادره منك. كلهم قالوا:

  • فداك المال يا رفيق.

لكنهم فوجئوا بل أصيبوا بدهشة، لم يصدقوا، حسبوا أنهم في حلم ،لا لا يمكن أن يفعلها الرفيق.

كانوا في حالة ذهول، انتشر الخبر في فلسطين كلها. كل الحركة الوطنية بدأت تتهكم عليك وعلى الحزب. الناس العاديون بدأوا يسخرون من مناضلين يمكن أن يتخلوا عن مبادئهم بهذه السرعة.

هل تذكر ليلة هجرتك من الوطن؟ لم تخبر أحدا بمقصدك، حملت بعض ملابسك وغادرت دون أن تودع أحدا، كنت مثل المطارد الذي لا يريد أن يراه أحد، غادرت مدينتك التي أحببتها وعشقتها حتى النخاع في الصباح الباكر قبل الفجر بقليل، خرجت متخفيا، كنت حريصا ألا ينتبه لك أحد من الجيران، طلبت من زوجتك وأولادك الصمت وعدم الحديث حتى تبتعد السيارة عن الحي الذي تسكن فيه، تلك الليلة ذكرتك بسنوات المطاردة التي كنت فيها مطاردا من الاحتلال الصهيوني، في تلك الأيام كنت حريصا ألا يراك جندي إسرائيل، أو يتعرف عليك جاسوس يعمل لحساب إسرائيل، كنت تنتقل من مكان إلى مكان فخورا بإنجازاتك ومطاردة الاحتلال إليك، أما تلك الليلة التي هاجرت فيها الوطن فقد كنت حريصا ألا يراك جيرانك أو رفاق دربك أو أصدقاءك، لم يكن يهمك أن يراك جندي أو جاسوس أو مخبر، كان إحساسك مختلفا جدا، لم تشعر أنك قمت بجريمة ستندم عليها، لأنك بت مقتنعا أن ما فعلته كان صحيحا لأن غيرك عليه أن يدفع لك فاتورة سنوات خدمتك للوطن، أقنعت نفسك أن ما تحمله من أموال الناس كان مكافأة لنهاية الخدمة. لكن الذي لم تعرفه آنذاك وعرفته فيما بعد أن الناس كانوا يعرفون أن التاريخ قدم أمثلة كثيرة عن مناضلين تخلوا عن مواقفهم، غيروا مفاهيمهم، تنكروا لمعتقداتهم لكنهم، لم يحسبوا أن مناضلا أحبوه سينقلب عليهم ويسرق أموالهم ويهرب من الوطن كله مع أفراد أسرته إلى وطن آخر ليبدأ هناك مشروعه التجاري الخاص بأموال الناس الذين أحبوه وأعطوه ثقتهم.

كانوا يعتقدون أنك تطالب بإصلاحات ديمقراطية فإذا بك تمارس إصلاحات لصوصية.

أكثر من (١٥) سنة يا رفيق مرت على الحادث، دون أن تستطيع العودة إلى الوطن. لأنك تخاف من ملاحقة الناس الذين ينتظرون عودتك يوما ما. سمع بعضهم أنك تفكر باعادة الأموال إلى أصحابها، حقا؟ ماذا عن سنوات استثمارها؟ لا لا لا يهم الاستثمار. ماذا عن ثقة الناس بك؟
ماذا عن الإحباط الذين زرعته في أذهان أبناء بلدك عن المناضلين؟

اليوم وبعد ثورة المعلومات على الشبكة العنكبوتية قررت أن تعود إلى الواجهة فبدأت تكتب مقالات من وطنك الجديد تنتقد فيها الموقف السياسي الوطني للأحزاب الفلسطينية وتقترح موقفا جديدا ترى فيه مصلحة الشعب والوطن.
كنت تعتقد أن الناس نسيت ما فعلته قبل ١٥ سنة!

بدأت تصلك الرسائل من أصحاب الأموال يطالبون بأموالهم، وتحرك بعضهم لرفع دعاوى قضائية ضدك حيث تعيش الآن، فقررت أن تتوقف عن الكتابة باسمك واستخدتم اسما مستعارا.

عدت للتخفي من جديد، حتى وأنت في الغربة تعيش متخفيا، بدأت الآن تقتنع أنك جنيت على نفسك وتاريخك الوطني، وشعرت بالندم، ولكن ماذا ينفع الندم الآن؟ أنت الآن تاجر كبير في بلد أنت غريب عنها، كبر أولادك دون أن يعرفوا لماذا هاجر أبوهم وأمهم من فلسطين. هل تجرؤ أن تعترف لهم بالحقيقة؟ ماذا لو عرفوها؟ هل ستهرب من الإجابة؟؟ أم ستبررها؟ ماذا لو سألوا أمهم؟ هل ستجبرها أن تخفي عنهم الحقيقة؟

كأني أسمعك تهمس شيئا، ماذا تقول؟ أعرف أنك خدمت الوطن والشعب أكثر من عشر سنوات، لتكن عشرين سنة. هل تريد تعويضا عن سنوات خدمتك؟ هل تريد أن يدفع الناس لك بدل سنوات أسرك؟ أبهذه الطريقة يحصل المناضلون على تقاعدهم؟ ماذا يميزهم إذن عن المرتزقة؟


تعقيبك على الموضوع
في هذا القسم أيضاً