الصفحة الرئيسيةمقالات ودراسات
مطلوب سياسة عصرية لتسويق الكتاب في العالم العربي
الجمعة ١ نيسان (أبريل) ٢٠٠٥
بقلم عادل سالم

ضعف انتشار الكتاب في العالم العربي وبشكل أدق ضعف القراءة لدى المواطنين العرب مسألة لا يختلف عليها اثنان في الدول العربية سواء كانا من المسؤولين الحكوميين أو المعارضين، ويعرف الكتاب والأدباء العرب ويكاد يجمعون أسباب هذا التخلف الثقافي لدى المواطنين العرب والتي أبرزها :

أولا : الوضع الاقتصادي المتدهور الذي لا يسمح بشراء الكتب فالغالبية الساحقة من المواطنين العرب يعيشون في ظروف اقتصادية صعبة تدفعهم دائما للبحث عن لقمة العيش لهم ولأولادهم ، وفي هذه الحالة فإن واجب الدولة على الأقل إنشاء المكتبات العامة في كل منطقة وكل قرية، وهو بالتأكيد غير متوفر، وإن توفر تكون المكتبة فقيرة بالكتب، وربما تضم في صفوفها فقط كتب الشعر الجاهلي وصدر الإسلام وبعض الكتب الدينية فقط .

ثانيا : انتشار الأمية في العالم العربي ، حيث تعتبر الدول العربية من أكثر الدول تخلفا في الأمية وخصوصا دولا مثل اليمن وموريتانيا وجيبوتي ، وإضافة للأمية ينتشر الجهل فهناك نسبة واسعة من المواطنين يتركون الدراسة بعد انتهاء المرحلة الابتدائية ويلتحقون بسوق العمل المأجور بطرق غير قانونية .

ثالثا : الخلل في التعليم المدرسي حيث تركز المدارس في العالم العربي على تلقين الطالب ولا تعلمه الاعتماد على نفسه ولا تشجعه على القراءة فلا يوجد في المناهج التدريسية في الدول العربية حصص للمطالعة العامة ، يطلب بعدها من الطالب كتابة لمحة أو موجز عما طالعه . معظم الدول العربية ينتهي الدوام المدرسي فيها الساعة الثانية عشرة ظهرا في حين ينتهي التدريس في مدارس مثل الولايات المتحدة الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر .

النقاط الواردة أعلاه يعرفها كل الكتاب والأدباء في العالم العربي الذين ينوهون دائما لها في محاضراتهم وندواتهم وكتاباتهم ، ويعزون لها دائما ضعف انتشار المطبوعات الجديدة المختلفة من شعر وقصة ومؤلفات تاريخية واقتصادية ... الخ .

نظرة دقيقة ومدروسة لما يجمع عليه المهتمون في الشأن الثقافي تكشف بوضوح أن أسبابا أخرى تقف حاجزا أمام انتشار الكتاب في العالم العربي ، وأهم هذه الأسباب الأخرى ولا نقول البديلة هو :

أولا : ضعف عملية التسويق واعتماد سياسة فاشلة في نشر الكتاب والدعاية له .

لو ذهبت في مصر إلى مكتبة المدبولي التي يقال إنها أكبر مكتبة في مصر فإنك تفاجئ أن محلا لبيع الفلافل ـ الطعمية ـ قد يكون أكبر منها ولو دخل المكتبة عشرة أشخاص مرة واحدة لكان صعبا على أي منهم التحرك بحرية بين الكتب ، إضافة إلى صغر المساحة المخصصة لعرض الكتب الجديدة أو الأكثر مبيعا في تلك الفترة . في حين كنت يوم أمس في زيارة لأحد محلات بيع الكتب في المدينة الصغيرة التي أسكن فيها في الولايات المتحدة وهي مدينة أصغر من بعض أحياء القاهرة ، كانت واجهة المحل الزجاجية تمتد حوالي عشرين مترا عدا أماكن العرض الداخيلة ، وكانت الدار تعرض الكتب الجديدة بشكل مدهش ، ليس نسخة واحدة بل ربما عشرة أو عشرين نسخة مرتبة بشكر أنيق يغريك بشرائها . داخل المحل الواسع يوجد طاولات مخصصة لعرض الكتب الجديدة، موزعة حسب النوع فهذه طاولة لكتب الأدب وتلك لكتب الرياضة إلخ

وإذا كانت مكتبة مدبولي كذلك فما بالك بالمحلات الأخرى بل كيف تكون أماكن بيع الكتب في دمياط مثلا أو فاس في المغرب أو الزرقاء في الأردن ؟؟ .

عندما يصدر كتاب جديد عن دار النشر المفروض أنها تعلن عن الكتاب ولمحة عنه وعن كاتبة بشكل مشوق في الصحف والإذاعة والتلفزيون، تماما كأي سلعة يتم التعريف بفوائدها للقارئ، فكيف سيعرف المواطن بالكتاب وهو جالس في بيته أم عليه أن يذهب كل أسبوع يسألهم ما هي كتبكم الجديدة وماذا لو ذهب المواطن لدار بيع الكتب لا تحمل الكتاب المذكور سيقولون له لا يوجد كتب جديدة .

قد يصرخ صاحب دار النشر مستهزئا بنا : كيف أنشر إعلانات عن كتب يطبع صاحبها منها ألف نسخة ، ثمن الإعلان قد يكون أضعاف ثمن جميع النسخ لو بيعت كلها عن بكرة أبيها ؟؟

صاحب دار النشر صادق فهو لا يمكن أن يغامر في مشروع لا يضمن الربح مائة في المائة ودور النشر في العالم العربي ضعيفة ولا تنسيق فيما بينها وغالبا ما يطبع الكتاب الذي يحظى بالمبيع في دول عربية أخرى بدون إذن صاحبه أو دار النشر التي أرسلته تماما كما يحصل في نسخ كاسيتات الأغاني إلخ .

فدور النشر والتسويق في الدول العربية تكون أقوى لو كانت تتعامل بشكل موحد وتستند لقانون يحميها من السرقة .

ثانيا : أماكن توزيع الكتاب

لا شك أن توزيع الكتاب يحتاج أيضا لدراسة مكان نشره، بداية فليس كل ما يؤلف يجب أن ينشر، الكتاب يحتاج لتوزيع جيد في الدول العربية ويحتاج لتوزيع متوازن في المدن والقرى وووو إلخ

فمن غير المعقول أن يطبع الكاتب من كتابه ألف نسخة مثلا ويوزعها في 3 أو عشر مكتبات في القاهرة وكفى الله المؤمنين شر القتال، على الكاتب أن يضمن أن كتابه سوف يعرض في دور الكتب في المغرب ومصر والعراق والأردن ووو حتى في مخيم عين الحلوة في صيدا ولا يمكن أن يطبع ألف نسخة لتوزع في هذا الوطن العربي .

أما المسألة الثانية فهي أن يعرف الكاتب الصاعد كيف يختار البلد التي ينشر فيها كتابه ، فنشر قصة باللهجة المغربية مثلا في السعودية لن تلقى النجاح، وأنا أرى أن على الكتاب الناشئين أو غير المنتشرين بشكل واسع أن يبدأوا بنشر نتاجاتهم الأدبية في بلدانهم حيث يعرفهم الناس بالتدريج .

ثالثا : الحضور الإعلامي للكتاب العرب

من المفيد للكتاب العرب من شعراء وأدباء ومؤرخين وو إلخ أن يعطوا الفرصة للظهور أمام الناس لعرض نتاجاتهم الأدبية فمن غير المعقول أن تصرف ملايين الدولارات من أجل برنامج مثل سوبر ستار العرب، للمطربين الناشئين ولا يعطى على الأقل الفرصة لعشرات المبدعين بالإطلالة على جماهيرهم وتقديم إبداعاتهم أمامهم ، نصفق ألف مرة للمطرب ولا نعرف حتى اسم كاتب الكلمات .

كم مرة غنينا الأطلال لأم كلثوم وصفقنا لها دون أن نصفق مرة واحدة لكاتب هذه الكلمات الرائعة التي بدونها لن يكون مطرب يستحق الشهرة .

بعض الفضائيات العربية مشكورة تجري لقاءات أدبية وفكرية كما تفعل الجزيرة لكن للأسف فمدتها قصيرة وتركز فيها على الكتاب الذين تكررت أسماؤهم ، حتى أن برنامجا مثل الاتجاه المعاكس في الجزيرة أصبح يكرر ضيوفه أحيانا وكأن العالم العربي لم يعد لديه كتاب يمكنهم أن يناقشوا شؤونه المختلفة .

رابعا : النص الجيد

ثمة نصوص أدبية وفكرية كثيرة في العالم العربي لكن يجب التأكيد أن بعض هذه النصوص يمكن تصنيفها في باب النص الجيد وهو أمام عشرات النتاجات الأدبية الأخرى وقلة انتشار الكتاب لا يجد من يقرأه، مما يحبط الكاتب نفسه بدلا من تشجيعه ولهذا يقع على عاتق الكاتب أن يكون صبورا في نشر نتاجه وأن يطور من أسلوبة وأدواته الفنية ويقع على عاتق الجهات الثقافية المسؤولة في الدولة مساعدة هؤلاء الكتاب في الانتشار من خلال توزيع كتبهم في المكتبات ودور العرض ومكتبات المدارس .

الكتاب الفلسطينيون هم أكثر الكتاب العرب الذين يواجهون مشاكل في توزيع كتبهم بسبب تشتت الشعب الفلسطيني وتبعثرهم في بقاع الأرض المختلفة لذا وجب على الجهات المسؤولة عن مؤسساتهم الثقافية أن تعمل بالتعاون معا من أجل حل هذه المشكلة ومساعدة الكتاب الفلسطينيين في نشر إبداعاتهم وليس فقط طباعتها ، نشرها في دور الكتب والمكتبات العامة والخاصة ، مكتبات المدارس ، عرضها في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والصحف والمجلات المطبوعة .

أمامنا تحدٍ كبير وعلينا أن نواجهه بشكل مدروس وبعمل جماعي ، فالمهمة صعبة وليس بإمكان شخص واحد أو لجنة أو لجنتين أن يأخذوا على عاتقهم تحقيقها .

لا نحتاج فقط لتمويل ، بل لكفاءات تعرف كيف تخطط لنشر الكتاب وكم تطبع منه وأين توزعه وكيف تعلن عنه ، الكتاب الفلسطينيون لن يحلوا المشكلة وحدهم لأن مهمتهم ليس التحول لدار نشر وطباعة، ولكن مهمتهم أن يبدعوا أن يؤرخوا قضيتهم ، أن يكتبوا أشعارهم ورواياتهم وتراثهم وتبقى مهمة النشر مسألة أخرى عليهم حلها بالتعاون مع وسائل النشر والتوزيع والإعلام القائمة .


تعقيبك على الموضوع
في هذا القسم أيضاً