الصفحة الرئيسيةتحت المجهر
«عاشق على أسوار القدس» لعادل سالم
لماذا قتله الجنود؟
الأربعاء ٥ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٢
بقلم إبراهيم جوهر

سرحان خ. العاشق الذي عاد إلى القدس متخلّيا عن الحياة الأمريكية والمهنة القانونية المريحة ماديا، عاد طلبا لانسجام نفسي ذاتي وإحياء لامتداد تاريخي في القدس وبحثا عن صمود وهوية وبقاء، آثر الكاتب أن يدفع به إلى إكمال مسيرة المعاناة في بلده والمواجهة مع قوانين الاحتلال الجائرة فقتل على أسوار القدس.

(سرحان خ.) عاد متخليا عن ثقافة غربية من أجل إحياء ثقافة عربية في القدس يعيشها مع أولاده الذين خشي عليهم الضياع والغربة والانفصال، لكنه لم يجد القدس التي يحملها في ذاكرته الحية قبل خمسة وعشرين عاما.

ربع قرن من زمن الاحتلال غيرت القدس؛ الطرقات والمنازل والناس والمفاهيم والقيم. ولم يجد سرحان خ. العاشق العائد بقناعة ثقافة المقاومة التي ترك القدس وهي تحياها وتحيا فيها قبل ربع قرن من الغربة والعيش في أمريكا.

الكاتب وهو ينقل عشقه للقدس ويسجل أزقتها وشوارعها وناسها وذكرياتها، نقلنا إلى صباه فيها وأحيى ذاكرته المتدفقة عشقا للقدس. وجمع بين عشق المدينة وعشق الفرد الإنساني، فنقل تجربة الراوي مع الطالبة (لمياء) والموسيقى التي يتعلمها ولده في رام الله وهو يتساءل عن (لمياء) ولده الخاصة، والمستقبل الذي ينتظر عشقهما. في إشارة إلى الواقع المضطرب غير المستقر الذي لا يدع مجالا لغير أن يأمل الفرد ويتساءل.

اهتم الكاتب بنقل الصدام الحاصل بين ثقافتين متضادتين تتصادمان في البلد بأشكال متباينة ؛ الصمود والانتماء والاستعداد للتضحية بكل شيء في جانب، والتماثل السلبي مع الواقع الجديد بما يعنيه من تخل عن قيم المقاومة حتى السلمية منها.

جاءت لغة الكاتب متفاوتة في القوة والسرد التاريخي السياسي والحوار. فقد أجاد في لغة الحوار الإنساني وهو يحمل نكهة العاطفة الأسرية الكوميدية أحيانا، وطغت لغة الموقف السياسي أحيانا على لغة الحوار فجاء جافا قاصدا إثبات رأي يراه الراوي وهو يتابع عددا من المسلكيات الاجتماعية الخارجة عن ثقافة خبرها، أو يفترض وجودها. فالمفاهيم تبدلت، والاهتمامات تغيرت، ولم تعد القدس على رأس سلم أولويات السلطة الفلسطينية. لذا أشار إلى مسلكيات عدد من رؤساء الأجهزة القائمة.

هذه رواية موقف. رواية تحريض وتنوير ورسم مسار للصمود، ورسالة عشق للقدس. لكن موت الشخصية المركزية (سرحان خ.) العائد إلى قدسه مضحيا بعمله في أمريكا، وبجواز سفره، كان صادما للقارئ الذي أحب هذه الشخصية وعاش معها أحلامها، وذكرياتها وأعجب بمنطقها وتشخيصها وتقييمها. فلماذا يموت العاشق حتى وإن كان في أحضان معشوقته؟ في الوقت الذي كان يجب فيه أن يواصل ترجمة عشقه بقاء!

كنت أحبذ ألا يميت الكاتب شخصية سرحان. لكنه أشار بذكاء إلى استمرار بقائه في ابنه، والجيل الجديد. وهذا ما يبرر مقتله على أيدي الجنود المرعوبين على سور باب العامود فنيا.

الرواية قدّمت القدس إلى القارئ بواقعها المتشظي، وحالها البائس، وأهلها المتمسكين بها وبالذاكرة التي لا تموت إلا بموت أصحابها، لذا نقل الراوي مخزون ذاكرته المقدسي إلى أبنائه الذين أشار إلى استمرارهم في مسيرة عشق القدس.

لقد أسمى غسان كنفاني شخصيته الرئيسة في (عائد إلى حيفا) سعيد س. وكانت نهايتها انتظار مواجهة بين الفدائي خالد و(دوف) الذي كان اسمه خلدون. بقيت النهاية هناك مفتوحة وهي تعالج مسألة فلسفية وطنية. وعند (عادل سالم) جاء التأثر بطريقة التسمية التي أشارت إلى اسم العائلة برمز الحرف، وبانتظار إكمال الأبناء لمسيرة الصمود.

عودتان ؛ إلى حيفا، وإلى القدس، والمستقبل هو الحكم.

صدرت الرواية عن منشورات الجندي للنشر والتوزيع 2012م. وجاءت في 259 صفحة .


تعقيبك على الموضوع
في هذا القسم أيضاً