الصفحة الرئيسيةمقالات ودراسات
شكل الدولة التي نريد
هل الدولة العلمانية قابل للتحقيق في العالم العربي؟
الاثنين ١ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٨
بقلم عادل سالم

كثيرا ما تقرأ في الفيسبوك منشورات لأشخاص يريدون أن تكون الدولة التي يعيشون فيها (أقصد الدول العربية) دولة علمانية، ولهم مبرراتهم في هذا المجال، في حين يرد آخرون بأنهم يريدونها دولة خلافة إسلامية، ويدافعون عن رأيهم في ما يطالبونه.

المسألة المهمة في الموضوع ليست من هو الأصح، فكل طرف يرى فيما يدعيه أنه الأصح، الأكثر أهمية هو: ما الممكن تطبيقه في الدولة المعنية؟

هل يمكن فرض شكل الدولة التي نريد دون رضى أغلب الشعب على الأقل؟
هل يمكن تحديد شكل الدولة دون تحديد مواد الدستور، وعرضها للتصويت؟ هل يجب فرض العلمانية بالقوة مثلا؟؟
إن مشكلة الذين يريدونها دولة علمانية أنهم فشلوا في تقديم تفسير مقنع للناس بالدولة التي يريدونها لأن كل تفكيرهم منصب فقط على نقطة واحدة عدم تدريس الدين بالمدارس، متوهمين أن هذا سيحل مشاكل التكفير، والإرهاب في الدولة المعنية، مع أنهم يزرعون الخوف في قلوب كثير من الناس الذين لا يهمهم شكل الدولة بقدر ما يهمهم جوهر الدولة، ومدى قدرتها على تحسين مستوى الناس الاقتصادي.
وفي نفس الوقت فإن دعاة الدولة الدينية يزرعون الرعب في قلوب الناس الآخرين بأن دولتهم هذه ستكون دولة تحكم بما أمر الله، وأمر الله هنا يفسر حسب رأي الحاكم.

إن شكل الدولة يحدده الدستور، هذا هو الصحيح، وهذا ما يجري في دول العالم التي لها قوانين، ودساتير، وتحترم إرادة شعوبها بما فيها الدول العلمانية. والدستور في العادة يتم صياغته من قبل لجان قانونية ثم يعرض للمصادقة عليه من قبل الشعب نفسه. والذين يصيغون الدستور المقترح يأخذون في الاعتبار دوما تباين آراء الناس، ويحاولون إيجاد أفضل الحلول التي يمكن أن يتعايش فيها سكان الدولة بأمن وأمان، ويوفر الحرية، والأمن، والحياة الكريمة لهم.

قد يعيش الجميع بسلام في الدولة العلمانية، لكن هل هناك دولة عربية يمكنها فرض فصل الدين عن المدرسة دون أن يؤدي هذا لاضطرابات داخل الدولة؟ والحديث لا يخص المسلمين فقط بل والمسيحيين. فشعوب الدول العربية لا تستوعب بعد مفهوم فصل الدين عن المدارس، وربما توافق على بقية أسس العلمانية مثلا، مثل حرية الأديان، حرية الرأي إلخ لهذا كان مفهوم الدولة المدنية الذي رفعته معظم الأحزاب المصرية هو الاصطلاح الأفضل، والممكن، وهذا هو المهم، بدلا من التركيز على مفهوم العلمانية المرتبط في أذهان عامة الناس بشكل خاطئ بالاستعمار، والانحلال، والكفر إلخ.

لعل هذا هو جانب من الصورة، لكن الجانب الثاني المجهول ربما: هل عدم تدريس الدين في المدارس يعني انتهاء الطائفية المقيتة؟ وموت الأفكار التكفيرية؟
هذا غير صحيح بتاتا، بدليل وجود الآلاف من جماعات داعش، وأخواتها من مواليد الولايات المتحدة، والغرب، ولم يدرسوا أي درس ديني في مدارسهم الغربية.

في الدول الغربية لا يتم تدريس الدين في المدارس لكن فيها عنصرية دينية أيضا، لكنها تدرس في كثير من الكنائس، والجوامع، والكنس اليهودية.
فالمسيحية الإنجليكانية في الولايات المتحدة أكثر عنصرية، ودموية من داعش نفسها، ولم تستطع كل قوانين العلمانية من منع انتشارها.
في دول الغرب يوجد من يحملون أفكار داعش، مع أنهم درسوا في المدارس الغربية العلمانية، بل وولدوا هناك أيضا. في الولايات المتحدة أكثر اليهود صهيونية، وعنصرية في العالم مع أنهم ولدوا، وعاشوا فيها.

كان لي صديق محام أمريكي أبيض تجاوز الآن السبعين من عمره، قال لي قبل حوالي عشر سنوات أن أمه كانت تنهاه عن الحديث مع قريب له يسكن في نفس الحي، وعندما سألها لماذا؟ قالت له: إنك من طائفة مسيحية أخرى!!!!
هذا المحامي تمرد على أمه التي تشربت دينها من كنيستها التي لا أحد يشرف على ما تدرسه لمن يقيمون صلواتهم، وطقوسهم فيها. وقس على ذلك الكثير.

إذن مشكلتنا الحقيقية في مؤسسات الدولة التي نريد بناءها. نحن بحاجة لدولة مؤسسات ينتخبها الشعب ويكون لها صلاحيات، وقراراتها نافذة، نريد دولة لها دستور يصوت عليه الشعب بالأغلبية الساحقة، ونحترمه، ونطبقه.
نريد دولة قوى الأمن فيها مهمتها تنفيذ قرارات القضاء، والمجالس التشريعية في الدولة دون تردد.
نريد دولة رئيسها ليس له صلاحيات مطلقة، ولا يتم إعادة انتخابه أكثر من دورتين مهما كان ذلك الرئيس، ومهما تعددت إنجازاته.
نريد دولة تشرف على تدريس الدين (الإسلامي، والمسيحي) في المدارس، نعم نريدها تدرسه في المدارس للطلاب، لتقدمه للناس كدين تسامح، ومحبة، وعمل، وتنقحه من كل الشوائب التي علقت به على مر التاريخ، وأن تجفف كل منابع التحريض باسم الدين التي تتم خارج إطار الدولة الرسمي.
في الختام أقول لكم أنني من أنصار الدولة العلمانية لكني لست مع فصل الدين عن كل شؤون الناس لأن هذا غير ممكن، ولست مع عدم تدريسه بالمدارس لأن معظم الناس حسبما أرى مسلمين، ومسيحيين يريدون ذلك. وأذكركم أنه بعد سبعين عاما من الحكم الشيوعي في الاتحاد السوفييتي، ودول حلف وارسو، فقد عادت الأجراس تقرع من جديد، وعادت الجوامع تستقطب الملايين كل يوم جمعة. فلنعمل من أجل دستور مدني، يلتف حوله الغالبية الساحقة من الشعوب العربية. آمل أن أكون نجحت في توضيح وجهة نظري.
عادل سالم


تعقيبك على الموضوع
في هذا القسم أيضاً