هل يمكن لنا أن نمحو ذنوبنا وخطايانا بذنوب أخرى نرتكبها؟ أيجوز لنا أن نخفى جرائمنا الصغيرة بجرائم أكبر وأكثر بشاعة؟
كلا لم أعد أصدق امرأة بعد اليوم. كلهن خائنات، يمتهن الكذب، ويستعذبن خيانة الرجال!!
قلت لها بوضوح دون أي غموض:
– يا لطيفة الجريمة لا تمحى بجريمة أخرى.
منذ ذلك الحديث أنهيت غير آسف علاقتي بها، لم أعد أستوعب أية علاقة معها. كنت أعتقد أن الحب يمكن أن يتحول إلى صداقة، وأن الحبيب يمكن في ظروف معينة أن يصبح صديقا، لكن أية صداقة تلك التي تريدني أن أحافظ عليها، في الوقت الذي لم يعد باستطاعتي النظر إليها؟
– لم لا تغفر لي ما حصل؟ سألتني في لقائنا الأخير.
قلت لها:
– ماذا أغفر لك ؟ الجريمة الأولى أم الثانية أم الثالثة؟
– ألم يبق في قلبك بعض الحب؟ بقية من حبنا القديم؟
– كلا لم يبق شيء يمكنك الاعتماد عليه يا لطيفة. قتلتيه بيديك .. هل تذكرين أم تحتاجين من يذكرك بذلك؟
– أعرف أنني أخطأت بحقك يا سعيد، كل ما أطمع به الآن المغفرة، وأن أحتفظ على الأقل بمعرفتك ولو كانت معرفة هامشية.
– ولماذا؟ ألست طبيبة نسائية لها اسمها ومركزها الاجتماعي، وتعمل في مستشفى المدينة الرئيسي؟ ماذا تريدين مني وأنا مجرد موظف عادي لا يحمل حتى شهادة جامعية؟
شعرتْ أنني أستهزأ بها فقالت:
– سعيد، هل تود أن تقطع علاقتك بي نهائيا؟.
– لم يعد ثمة علاقة بيننا حتى أقطعها. علاقتنا القديمة انتهت منذ زمان، نخرها السوس، فلم يترك لها أي أثر، أتعرفين لماذا؟ لإنها كانت علاقة هشة فلم تصمد أمام السوس ولم تقاوم.
أنسيت عندما قلت لي، من الأفضل لنا أن نفترق فلماذا تريدين العودة؟.
– لم أكن أريد خداعك؟.
– فماذا تريدين الآن؟.
– صداقة بريئة، أريد فقط الاحتفاظ بعلاقتنا، أنسيت أننا جيران، هل نسيت عندما كنت تغني لي من شباك بيتكم :
ليش ليش يا جارة
ما تردين الزيارة؟
كم كانت جميلة منك تلك الكلمات يبدو لي أنك لم تحفظ أغنية غيرها فهذه الأغنية الوحيدة التى كنت دائما ترددها.
هززت رأسي وأخذت نفسا عميقا محاولا أن أستعيد ذكريات حاولت مرارا أن أمحوها من ذاكرتي.
قلت لها بسخرية:
– لن يشفع الماضي الجميل لك. براءتك التي عرفتك بها لم تشفع لك يا لطيفة.
تذكرين كل ذلك وفي لحظة معينة حرقت كل شيء، تعرفين كم أحببتك وكم ضحيت لأجلك، كنت سأخطبك من أبيك لكنك قلت لي:
– انتظر، حتى أعود من الجامعة.
بذلت كل جهدي مع معارفي وأصدقائي وحصلت لك على منحة دراسية في ألمانيا الديمقراطية لدراسة الطب. كنت خلال دراستك الجامعية أرسل لك الرسائل لأطمئن عليك، وكنت في البداية تردين عليها لكنك بعد ذلك توقفت عن الكتابة، وكنت أعتقد للأسف أن دراستك شغلتك عن رسائلي فتقبلت الأمر ولم أقرأ لغبائي ما بين السطور.
انتظرتك سبع سنوات وعندما رجعت كنت فرحاً بعودتك عودة الدكتورة لطيفة ولكن سرعان ما ذهبت أحلامي أدراج الرياح عندما كان استقبالك لي فاتراً.
الحقيقة المرة التي فوجئت بها، أنك لا ترغبين باستمرار علاقتنا، كنت تقولين لي:
– سعيد، أخشى أن يفتضح أمرنا فلا تزورني في المستشفى.
هكذا بعد طول انتظار؟ وعندما قلت لك سوف أتحدث مع أبيك بالموضوع قلت لي:
– لا لا يمكن لذلك أن يتم.
– ماذا؟، صرخت بك، هل تمزحين؟ فأجبتِ ببرودة أعصاب :
– هي الحقيقة التي ستعرفها لاحقا .
أعترف لك كانت تلك صدمة كبرى لا أعرف كيف تحملتها كنت حينها كالمجنون، وسألتك :
– يا لطيفة، هل أحببت شخصا آخر؟
قلتِ بهدوء:
– لا لم أحب أحداً غيرك.
فسألتك لماذا إذن؟.
لم تجيبي ،تهربت من الإجابة، ليس حرصا علي بل لأنك لم تجدي ما تجيبين به، لم تسعفك ذاكرتك.
فقدت الشجاعة كي تصارحيني بما حصل. قلتِ لي ستعرف في الوقت المناسب.
وافترقنا وليت الأمر وقف عند ذلك لكن ما حصل كان أبشع، ارتكبت الجريمة الكبرى بحقي، بحق نفسك، بحق لطيفة الطيبة التي عرفتها منذ كانت في السنة الثالثة وأنا في الثامنة، كنت جارتنا التى أحببتها، كنت كل شيء فى حياتي، لطالما لعبنا معا صغاراً وتراسلنا كباراً .وعندما كبرت وتعرفتُ أكثر على أبيك الذي كان يعرفه كل أهل القرية أصبحت أحترمه وأقدره فقد عاملني كابنه فأنا جاره وابن صديقه، وبعد أن تخرجت من المدرسة نشأت بيننا صداقة قوية فقد كان أبوك رحمه الله رجلا لابد من صداقته لما للحديث معه من متعة قتلتيني يا لطيفة.
أطلقتِ الرصاصة الأخيرة، رصاصة الرحمة، عندما تزوجت فجأة ودون احتفال رسمي كعادة كل العرسان من داوود.
هكذا انتهى كل شيء بيننا بزواجك من داوود . وأنت تعرفين من داوود هذا. رجل سيء الخلق، مشبوه، من تجار المخدرات، خريج السادس الابتدائي، سجن عدة مرات بتهم السطو المسلح والسرقة وكل قريتنا تعرف إنه من زعران البلد.
الدكتورة لطيفة تتزوج داود ضاربة عرض الحائط بكل الناس الذين نصحوها ألا تقدم على تلك الخطوة المجنونة. لم يكن ذلك صفعة فقط . كان ذلك أسوأ أنواع الخيانة..
لا أدرى ربما هذه الجملة لم تعد صالحة لتناسب حجم الجريمة التى ارتكبتيها.
فى البداية كنت أعتقد أنك أحببت طالبا درس معك في ألمانيا أو أن الدكتورة لطيفة لم يعد يليق بها عريس مثلي لم يعد في مستواها الأكاديمي، ولو حصل وتزوجت مثل ذلك العريس لكانت الصدمة أقل وطأة ولاحتفظت على الأقل بذكرياتنا الجميلة، كنت سأقول كلما أراك..
– هذه حبيبتي القديمة.
لكنك للاسف لم تتركي لي شيئا أحتفظ به يذكرني بك لم تتركي ولو خيط رفيعا لا يرى في العين المجردة لكن يمكن للقلب أن يراه ويحس به.
ماذا تريدين مني أن أقول..؟
هذه المرأة، زوجة الأزعر والحرامي والمشبوه كانت حبيبتي؟
كيف سأقول أن المرأة التي كنت أغني لها "ليش ..ليش يا جارة " كانت أنت التي سمع بك القاصي والداني، وكتبت عنك الصحف ما تقشعر له الأبدان . أنسيت أن أباك- رحمه الله- مات بسببك؟ بسبب الآلام التى خلفتيها له عندما تزوجت من داوود رغما عنه ووضعتيه أمام الأمر الواقع.
نظرت إليها فإذا بها تبكى .. قالت بصوت مرتفع
– كفى كفى، لا أستحق كل ذلك.
– وهل تستحقين نيشاناً ؟.
– لقد حدثتك قبل ذلك أنه أثناء .... قاطعتها على الفور قائلا:
– أعرف كل شيء، ولا أريد سماع المزيد من التبريرات السخيفة. في الجامعة وفي حفلة طلابية، شربت الوسكي وسكرت... ارتكبت جريمة ومعصية، ربما كنت سأغفر لك ذلك لكنك جئت لتصلحي خطأك بجريمة أكبر.
قالت:
– عرضت على هذا الأزعر الزواج لمدة 3 شهور ثم يطلقني مقابل بعض المال وقد وافق لكنه عاد بعد الزواج ورفض وكانت مشاكلي معه. اغتصبني أكثر من مرة وضربني
هززت رأسى ساخرا وسألتها
– لماذا تتزوجين من شخص لعدة شهور؟.
لتدارى بها جريمتك الأولى؟.
تريدين أن تخدعي زوجك الثاني بأنك أمرأة مطلقة؟ لماذا لا تصارحينه ؟ لماذا لم تصارحيني؟
– كنت أخاف أن أجرح حبك لي الذي أعتبره مقدسا وأعيش على ذكراه. كنت أفضل أن تلعنني ألف مرة ولا أعترف لك بما حصل. كنت غير قادرة على تحمل نظرات عيونك لي.
– فهل كان أسهل عليك الزواج من داوود؟
– تزوجت من داوود لأنك تعرف أهل بلدنا فأي شخص سأتزوجه ويعرف الحقيقة، سيطلقني وسأكون مضغة في أفواه الجميع.
قتل لها هازئاً:
– وأنت طبعا ضحية هذا المجتمع. أنت القديسة التي ظلمها المجتمع فأين جهودك لتغييره؟ هل سيتغير بالزواج من داوود؟.
– لكنه طلقني الآن.
– يا سلام وهل أجهل ذلك ؟ ألست من ساعدك على الطلاق؟ أنسيت عندما جئت تبكين وتطلبين مساعدتك بعد أن شرحت لي كل قصتك فى ألمانيا؟
– لماذا ساعدتني؟ سألتني لطيفة.
– ليس حبا بك، لا، بل كي لا أسمح لهذا الرجل الأزعر أن يلطخ سمعة أبيك بالوحل، إكراماً لأبيك الراحل الذى توفي بعد جريمتك أو زواجك بأسبوع.
أحمد الله أنه مات ولم يقرأ ما تناقلته الصحف عندما ضربك على رأسك وحبسته الشرطة، هل تذكرين ذلك التقرير الذي كتبه ذلك الصحفي التافه والذي قال فيه زوجك السابق داوود أنه طلب منك ممارسة ....فرفضت فضربك.. لقد قال أكثر من ذلك وللأسف نشرته الصحافة فأصبح الوطن كله يعرف أنك زوجة ذلك الوغد.
– أحمد الله أنني تطلقت منه. قالت لطيفة والآسى على وجهها ثم سألتني:
– فهل هل أعتبر ذلك لقاءنا الأخير ؟
– أرجو أن يكون ذلك
– أفلا أطمح ولو بسؤالك عني بين الحين الآخر؟ في العيد مثلا؟
– صمت ولم أجب
– لم لا ترد؟
– فقط عندما تموتين لأقوم بالواجب.
– لتشمت بي؟
– لا لكن احتراما لذكرى أبيك الطيب الذي قد يسامحك فهو أب ومشاعر الأبوة تختلف، أما أنا فلن أسامح.
كررت على السؤال وهي تبتعد، فقلت لها:
– يا لطيفة الجريمة لا تمحى بجريمة أخرى.
كتبت في أيلول عام 2005
التاريخ | الاسم | مواقع النسيج | مشاركة |