الرجال الذين يعشقون النساء
الثلاثاء ١٢ آب (أغسطس) ٢٠٠٣
بقلم عادل سالم

أثيرت في العام 2001 ضجة كبيرة في مصر عندما أصدرت وزارة الثقافة المصرية قرارا بمنع بيع ونشر كتاب " هل أنتم محصنون ضد الحريم ؟‍ " للكاتبة المغربية التي لا تكتب إلا بالفرنسية وتترك للآخرين ترجمة كتبها ، فاطمة المرنيسي . وجاء في القرار أن الكتاب يسيء إلى الدين الإسلامي .

وكالعادة في مصر ، فإن وزارة الثقافة باستمرار تعمل على نشر مثل هذه الكتب والترويج لأصحابها عندما تتخذ قرارا بمنعها، ولو تركت الوزارة هذه الكتب بحالها لما سمع بها إلا القلة القليلة، فالكتاب الذي يباع بعدة جنيهات في مصر ( دولار أو دولاران ) يصل سعره إلى مائة جنيه في السوق السوداء عندما يصدر قرار بمنعه ، مما يعني تجارة مربحة لدور النشر وأصحاب المكتبات .

شخصيا لم أسمع قبل قرار وزارة الثقافة المصرية بمنع الكتاب بالكاتبة المغربية المذكورة ولا بكتابها ، ليس لان الكاتبة مجهولة إلى هذا الحد بل ربما لان الكتاب المغاربة وفاطمة منهم يختار معظمهم الكتابة بالفرنسية لا لأنهم لا يعرفون اللغة العربية ولكنهم حقيقة يوجهون خطابهم للناطقين بالفرنسية وللفرنسيين تحديدا وليس للعرب الذين هم جزء منهم ، والسبب الرئيسي لذلك هو ضمان توزيع كتبهم لتحقيق كسب مالي أفضل ليس إلا .

قرأت الكتاب المذكور فلم أجد سببا مقنعا لماذا منعت وزارة الثقافة المصرية الكتاب، ولا أدري أهو لسوء حظي أم لحسنه أنني لم أجد في الكتاب ما يستحق حتى القراءة لأنه لم يضيف لمعلوماتي ما أعتبره ذا قيمة .

فالكاتبة تبدأ كتابها قائلة : إنه نص اختبار للرجال الذين يعشقون النساء ، وكأنها تريد الرجال أن يعشقوا الرجال أو أنها تريد أن تقول أن علاقة الرجل بالمرأة عاطفيا وجنسيا وهو وضع طبيعي أوجده الخالق يتعارض مع تحرر المرأة كإنسان ، أيمكن أن يكون ثمة تناقض بين حب الرجل المرأة وعشقه لجسدها وبين تأييده لحريتها ؟؟

الكاتبة تجنح في كتابها كثيرا عندما تصب غضبها على الخليفة هارون الرشيد لأنه كان يمتلك الجواري محاولة إثبات إضطهاد الرجل للمرأة بأنه إضطهاد جنسي بحت حديثا وقديما دون أن تدرس كل عصر لحدة مع ربطه بأوضاعه الاقتصادية والاجتماعية ، فمرحلة العبودية القديمة لم تكن مرحلة عبودية المرأة تحديدا بقدر ما كانت مرحلة عبودية الأسياد للعبيد – رجالاً ونساءً - وربما كانت النساء أفضل حظاً من الرجال حيث يتم ضمهن إلى جملة جواري السيد فيما يضرب العبيد الرجال يوميا للقيام بواجبهم تجاه أسيادهم وحتى خدمة جواري أسيادهم .

إن الحديث عن الاضطهاد الذي وقع على المرأة قبل الاف السنين كظاهرة منعزلة عن بيئتها لا يخدم الهدف ولا يؤدي إلى نتائج صحيحة أبداً بل يؤدي إلى إستخلاص نتائج غير صحيحة.

تقول الكاتبة فاطمة في ص 14 : إن جيراننا الأوروبيين يتمتعون بصحة جيدة والثروة ولكنهم يفتقرون إلى السعادة في حياتهم . لماذا ؟

لان أحد أسباب تعاستهم ( حسب قول فاطمة ) أن رجاله دائما يحلمون بالحريم دون الإعتراف بذلك علنا لأن القانون يمنعهم من ذلك، ولو افترضنا أن فاطمة محقة بقولها فمن هو الذي وضع القوانين هناك ؟

هل هي المرأة وحدها ؟ ألم يكن على الدوام معظم أعضاء البرلمانات والحكومات في أوروبا والعالم من الرجال ؟ فاذا كانوا يحلمون بالحريم فما الذي يمنعهم من سن القوانين الني تخدم شهواتهم مثلما اتخذوا قوانين تجيز الدعارة علنا كما هو الحال في معظم دول أوروبا ان لم يكن جميعها . ففي شوارع أمستردام يشاهد المارة (رجال ونساء وأطفال وشيوخ) المحلات التجارية تعرض في شبابيكها الزجاجية صوراً مجسمة للأعضاء التناسلية والقانون يجيز ذلك، ويشاهدون النساء اللواتي يعرضن أنفسهن للمارين من وراء الزجاج – وهن عاريات - مقابل بعض الدولارات وكل ذلك حسب القانون . أبعد ذلك تقول فاطمة إن رجال أوروبا يحلمون بالحريم ولكنهم يخافون من الإعلان عن ذلك خوفا من القانون .

إن محاولة الكاتبة فصل اضطهاد المرأة كجارية عن اضطهاد الرجل قد أدى بها إلى الشطح وصار الكتاب مجرد مقالات أرادات الكاتبة أن تنفس بها عن نفسها .

فالحديث عن اضطهاد المرأة في العصر الحديث يجب أن لا يفصل عن اضطهاد الأقليات أو اضطهاد الإنسان بسبب مبادئه او لونه .
إن اضطهاد السود في الولايات المتحدة اتخذ مظاهر عنف أكبر من قضية المرأة، كما إن اضطهاد الرجل الأبيض و المرأة البيضاء ( متحالفين ) للسود في جنوب أفريقيا كان أعظم من اضطهاد الرجل الأبيض للنساء البيض في نفس البلد .

أما اضطهاد النساء الإسرائيليات للفلسطينيين أكبر من اضطهاد رجالهم لهن فالمسألة نسبية وليست مطلقة أبدا .

والرجل الذي يحلم بالنساء ، ويعشقهن ويكتب لهن أشعاره وأغانيه هو نفس الرجل الذي يحمل السلاح دفاعا عنهن ويموت ليهبهن الحياة .

إن الرجال الذين يعشقون النساء هم الذين يعشقون الحياة .
الذي نسيته فاطمة عمداً هو لماذا تبحث النساء عن اضطهاد الرجال، لماذا صوت معظم النساء للرجال في الانتخابات السياسية في معظم الدول وليس فقط الدول العربية ؟

أن الحرية هي حرية المجتمع وليس حرية فرد أو أفراد أو نصف المجتمع لوحده .

التوقيعات: 0
التاريخ الاسم مواقع النسيج مشاركة