كلمة ديوان العرب
في تأبين الشاعر الراحل حكمت العتيلي
الأحد ١٩ آذار (مارس) ٢٠٠٦
بقلم عادل سالم

لم يبق للشعراء غير استعادة الذكريات. هذا ما أرسله لنا الشاعر الفلسطيني سعود الأسدي صديق حكمت عندما علم أن صديقه في غرفة الإنعاش. كأنه أراد أن يقول لنا: لم يبق لهم غير الحنين إلى الماضي، لأنهم في العودة إليه، يستعيدون أجمل أيام حياتهم، يستعيدون أحبتهم ، يعيشون مرة أخرى مع أصدقائهم، يستمعون، مرة أخرى بشغف لشاعرنا المتربع في ذاكرتنا للأبد، حكمت العتيلي على ضوء قنديل كان الراحل عنا بجسمه يصر أنْ لا زال فيه زيت.

حكمت العتيلي ابن عتيل البار ، ابن فلسطين ، ابن العرب في كل مكان الذي حمل على أكتافه عبء جيل بكامله، هو الأكثر حضورا بيننا الآن رغم رحيله المفاجئ عن هذه الدنيا. فقد تربع بامتياز في ذاكرتنا، في المنطقة التي يصعب تفريغها لأنها تشكل كياننا وحضارتنا ، وانتماءنا وتكويننا الثقافي والفكري. هذا الشاعر الذي تغرب عن وطنه بجسمه لكنه بقي يعيش فيه بقلمه ومشاعره وذكرياته، وبدل أن يمد له الوطن يده لينتشله من الغربة، فقد مد هو يده للوطن محاولا إنقاذه مما يتعرض له من محاولات لطمس كل مظاهر الإبداع والإنسانية فيه التي كتبها أبناؤه بدمائهم وأقلامهم على ضوء قنديل لا زال فيه زيت.

لقد صدق صديقي الكاتب الفلسطيني عبد القادر ياسين المقيم في القاهرة عندما قال: إذا كانت قد فرقتنا السياسة فقد وحدتنا الثقافة. نعم وحدتنا الكلمة المبدعة، وحدنا الأدب والفن والشعر، فكان شعر حكمت العتيلي وقصائده كلمات يقرأها أبناؤنا من العراق إلى المغرب إلى الشتات والغربة القسرية دون أن يختلفوا عليها. ستبقى أشعاره كما أشعار غيره من جيل المبدعين تنير للأجيال الشابة طريقهم ، فلا زال في القنديل زيت وكلما كاد القنديل يفرغ من الزيت فإن كلمات حكمت وقصائد حكمت ووصايا حكمت وذكريات حكمت مع إبداع رفاق جيل حكمت ستكون زيته الدائم.

ديوان العرب كان بودها أن تحتفل مع الشاعر حكمت العتيلي صيف العام الحالي، في احتفالها السنوي لتقدم له ولعدد من المبدعين درع المجلة تقديرا لدورهم في خدمة وطنهم وأمتهم ، وخدمة الثقافة العربية، لكنه ، برحيله أجبرنا أن نكرمه مرتين مرة في حفلنا القادم ومرة هنا معكم ، مع أصدقائه ومحبيه الذي تقاطروا لاستعادة ذكرياته الجميلة من كل صوب .

تقديرا منا لشاعرنا الراحل ولإسهاماته الجليلة في حركة الشعر، ولبقايا الزيت الذي طالما كنا نتسامر على ضوئه المنبعث من قنديله عندما كنا نكتب الأشعار والقصص ونغني الميجنا والعتابا ونحن نشرب القهوة السمراء مع حب الهال على صوت الربابة والمهباش ، نقدم في ديوان العرب درع المجلة ليتسلمه نيابة عنه زوجته الفنانة المبدعة أمل العتيلي.

إننا بتكريم الشاعر الراحل حكمت العتيلي إنما نكرم الكلمة المبدعة التي رغم الغربة عن الوطن ورغم القهر الذي عاشته لا زالت تقاوم من أجل الحياة ، من أجل أن تتناقلها الألسن من جيل إلى جيل، نحن نكرم بشخص حكمت العتيلي كل المبدعين العرب من جيل حكمت والأجيال الشابة التي حملت الراية خلفاً له.

عادل سالم
ديوان العرب

لقراءة خبر حفل التأبين أنقر هنا

ملاحظة :

ألقيت في حفل تأبين الشاعر الفلسطيني المغترب حكمت العتيلي في 12 آذار - مارس 2006 في كاليفورنيا. حكمت العتيلي توفي في شباط بعد أن دخل في غيبوبة لمدة أكثر من شهر رحمه الله.

التوقيعات: 0
التاريخ الاسم مواقع النسيج مشاركة