الصفحة الرئيسيةمقالات ودراسات
العمال العرب في مخابز القدس
الاثنين ١ كانون الثاني (يناير) ١٩٩٦
بقلم عادل سالم

أولاً: حول المخابز العربية

[* إمكانيات ضئيلة وإنتاج ضعيف*]

بلغ عدد المخابز العربية في القدس بعد الاحتلال الإسرائيلي لها عام 1967 حوالي الأربعين مخبزاً كان يتواجد معظمهم داخل البلدة القديمة، ويخيل للقارئ لأول وهلة أن هذا العدد الضخم من المخابز يضم أعداداً كبيرة من العمال ويوفر حاجة المواطنين من الخبز العربي.

ولكن الحقيقة هي عكس ذلك تماماً، فهذه المخابز والتي تقلصت الآن لتصبح حوالي الثلاثين مخبزاً فقط هي ذات إمكانيات ضئيلة جداً وإنتاجها بالتالي ضعيف نسبياً عدا عن كونها مخابز صغيرة في أغلبها ويضم بعضها عاملاً أو عاملين هذا عدا عن وجود بعض المخابز التي يعمل بها أصحاب المخبز فقط.

وأما بالنسبة للمخابز التي أغلقت أبوابها بعد عام 1967 فإن ذلك يعود وبشكل رئيسي لعدم القدرة على مواجهة المخابز الإسرائيلية القوية مثل مخبز بيرمن ومخبز إنجل الذين يعمل بهما مئات العمال ولديهما أحدث وأفضل الالات الحديثة ويعتبران من أكبر المخابز في الشرق الأوسط كله.
ويعتبر مخبز خضر في العيزرية أكبر مثال على ذلك حيث كان من أكبر المخابز في القدس والضفة على الإطلاق، ولا زال مغلقاً أبوابه حتى الآن. كما يوجد بعض المخابز التي أغلقت بسبب مصادرتها مثل مخبز أبو سياس البيتوتي ومخبز الصواف الذين تمت مصادرتهما من قبل الحكومة الإسرائيلية تحت حجة تطوير المنطقة التي اعتبرت منطقة يهودية داخل البلدة القديمة من القدس. كما أغلقت بعض المخابز التي كانت مخصصة للخبز البيتي أبوابها بسبب ترك المواطنين لهذا النوع من الخبز..

[*مخابز صغيرة وتنافس في الإنتاج..*]

معظم المخابز في القدس حالياً هي مخابز صغيرة الحجم وقليلة الإنتاج وبالتالي عدد عمالها قليلً جداً وبعض المخابز يعمل بها أصحابها وأولادهم مثل مخبز التميمي الذي يعمل به 12 شخصا تقريباً ولا يوجد به سوى 3 عمال فقط ويتراوح عدد القوة العاملة في المخابز العربية بين 160-220 شخصاً يوجد منهم حوالي مئة وعشرون عاملاً فقط وتعتبر حالياً شركة المخابز العربية أكبر المخابز العربية في القدس حيث يضم عشرة عمال بالإضافة لأصحاب المخبز الذين يساهمون في العمل.
وعلى الرغم من كثرة المخابز إلا أن ضعف الإنتاج يجعلهم غير قادرين على تلبية حاجات المواطنين من جهة وغير قادرين على مواجهة المخابز الإسرائيلية المدعومة من الحكومة من جهة ثانية.

ومن الثلاثين مخبزاً في القدس يوجد 13 مخبزاً لإنتاج الكعك مع سمسم فقط ولا ينتجون شيئاً غيره وغالباً ما يكون المخبز ملكاً لأصحابه يتقاسمون أرباح الإنتاج القليلة وأما بالنسبة للتأمينات الاجتماعية والصحية فهي معدومة ونظراً لعدم تمركز العمال في مواقع عمل كبيرة وثابتة فظروف عملهم دائماً سيئة ولا يوجد حقوق ومكاسب يناضلون من أجلها ونظراً لعدم تنسيق هذه المخابز فيما بينها حول البيع فتغلب عليها صفة التنافس على السوق وخاصة في أيام الكساد مثل فصل الشتاء.

[*المخابز الكبيرة*]

أما المخابز العربية الكبيرة نسبياً والتي تضم أغلبية العمال العرب فظروف عملها ليست أفضل من غيرها بكثير، فرواتب العمال ضئيلة جداً، وما يجدر الإشارة إليه أن أرباح هذه المخابز لا يوفر الحاجات الأساسية لصمود هذه المخابز أمام المخابز الإسرائيلية وبالتالي فإن قلة الرواتب ليست ناتجة عن هضم لحقوق العمال بقدر ما هي نتيجة طبيعية لضعف إنتاج هذه المخابز.

[*ظروف العمل في المخابز العربية..
*]
بالتأكيد بعد هذه اللمحة التي تم سردها عن العاملين في المخابز العربية يصبح واضحاً ومفهوماً ما هي ظروف العمل التي يعمل بها هؤلاء العمال فضلاً عن انعدام التأمينات الاجتماعية وعدم تحديد ساعات العمل فالرواتب لا تكفي العمال مؤونة العيش. وفي الوقت نفسه فإن العمال مهددون دائماً بالتسريح من العمل عندما يقل العمل نتيجة اضطرار المخبز للإغلاق بسبب عدم قدرته على مواجهة المخابز الإسرائيلية المدعومة.

[*دعم المخابز العربية ضرورة ملحة..*]

إن دعم المخابز العربية وتطويرها وزيادة إنتاجها هي ضرورة ملحة لكي تستوعب مزيداً من الأيدي العاملة العربية ولتستطيع مواجهة التحدي وتحديث الآلات لتوفير الخبز العربي للمواطنين العرب ولتستطيع أيضاً تحسين ظروف عمل العاملين فيها.

كما إن دعم الرغيف وتخفيض سعره في السوق كما تفعل بعض الدول العربية مثل مصر يخفف عن المواطن العربي عبء الغلاء الفاحش الذي يدفعه أحياناً كثيرة للبحث عن رغيف بيرمن الإسرائيلي لقلة تكلفته.

إن دعم المخابز العربية يشكل ركناً أساسياً ومهماً وحيوياً في حياة المواطن العربي فرغيف الخبز يشكل الغذاء الأساسي والمطلوب يومياً للمواطنين العرب.

***ثانياً: العمال العرب في المخابز الإسرائيلية..

يبلغ عدد العمال العرب في المخابز الإسرائيلية حوالي أربعمائة عامل عربي يعمل غالبيتهم في مخبزي أنجل وبيرمن الذين يعتبران من أكبر المخابز ليس في إسرائيل فحسب ولكن في الشرق الأوسط ويعمل القسم الآخر منهم في المخابز الإسرائيلية الصغيرة التي تنتج الكماج أو الحلويات ويقع معظمهم في (محني يهودا) في القدس الغربية مثل مخبز شاحوط ومخبز يعقوب حدبا.

[*ظروف العمل*]

ظروف العمل في المخابز الإسرائيلية تكاد تكون متناقضة تماماً خاصة ما بين المخابز الصغيرة من جهة والمخابز الكبيرة (أنجل وبيرمن) من جهة أخرى.

ففي حين تكاد تكون ظروف العمل أسوأ ما يكون في المخابز الصغيرة من حيث عدد ساعات العمل وطبيعة العمل نفسه والرواتب والتأمينات الاجتماعية فإن هذه الظروف متطورة نسبياً في مخبزي أنجل وبيرمن وذلك نتيجة الكم العمالي الموجود بهما وغالبيتهم من اليهود المنظمين في الهستدروت.

وإذا كانت نضالات العمال اليهود والعرب قد ساهمت في تحسين شروط العمل إلا أن إدارة المخبزين ظلت تمارس التمييز في الأجور وشروط العمل بين العمال اليهود والعرب وكانت تحسم من أجور العمال العرب الضرائب وبدل التأمينات الصحية والاجتماعية دون أن تقدم لهم شيئا مقابلها خصوصا العمال القادمين من الضفة الغربية والذين كانوا يشكلون معظم العمال العرب في المخبزين ويعملون في الوردية الثالثة أي بعد منتصف الليل.

وفي الوقت الذي كان العمال العرب العاملون في المخابز الإسرائيلية الصغيرة يعملون 15 ساعة أحياناً مقابل حوالي حوالي 300 دولار شهريا فإن العامل في أنجل يستطيع تحصيل هذا المبلغ بساعات عمل تقل عن الخمسة عشر ساعة يومياً بكثير هذا عدا عن انعدام تعويضات إصابات العمل في المخابز الصغيرة وعدم وجود سجلات خاصة بالعمال تثبت أنهم عمال رسميون ودفع الراتب نقداً لنفس السبب وأحياناً اضطرار العامل بل إجباره للمبيت في مكان العمل إذا كان من سكان الضفة لأن العمل في هذه المخابز يبدأ من الساعة الثانية ليلاً.

غالباً ما كانت الشرطة تلقي القبض على هؤلاء العمال بدعوى المبيت في إسرائيل بدون تصريح وتقديمهم للمحاكمة تحت سمع ومرأى صاحب العمل الذي يدعي آنذاك عدم مسؤوليته عن العامل. هذا عدا عن المعاملات السيئة والإهانات والفصل التعسفي دون إنذار وأتعاب.

هذه الظروف السيئة في المخابز الصغيرة نستطيع القول أن غالبيتها غير موجود في مخبز أنجل أو بيرمن وبنسب متفاوتة. فرغم عدم حصول العمال العرب على كامل حقوقهم إلا أن ظروف عملهم في أنجل أفضل بكثير من المخابز الصغيرة . أما بيرمن فالأمور ليست جميعها على ما يرام حيث أن العمال هناك كانوا لا يقبضون بدل مواصلات، حتى إنذارهم بالإضراب عن العمل في 3/9/81 ، حيث توقف العمال العرب بعد استلامهم الوردية عن العمل بتوجيه من نقابة العاملين في الصناعات الغذائية في القدس (النقابة العربية) والذي كان نتيجته تدخل الهستدروت وحل المشكلة لتفويت حتى لا يتعزز دور النقابة العربية في صفوف العمال العرب. ورغم ذلك فلم يحصل العمال العرب على كامل تكاليف المواصلات وبلغ ما حصلوا عليه 10 بالمئة فقط من المبلغ الذي يدفعه العمال للمواصلات مع العلم أن مخبز أنجل يدفع للعمال بدل المواصلات كل حسب مكان سكنه (تقريباً).

[*مشكلة العمل غير الرسمي..*]

يعاني عمالنا العرب في مخبز أنجل وبيرمن من مشكلة العمل الرسمي وغير الرسمي (كفوع بالعبري) حيث يعتبر العامل غير مسجل رسمياً حتى بعد فترة طويلة من عمله وذلك تفادياً لدفع أتعابه في حالة الفصل. وهذه الظاهرة منتشرة في بيرمن أكثر منها في أنجل حيث يوجد عمال أمضوا أكثر من سنة ولا زالوا مسجلين كعمال تحت التجربة.

[*الجسم الرئيسي للعمال العرب في قطاع المخابز..*]

لا شك بأن العمال العرب العاملين في المخابز الإسرائيلية يشكلون الجسم الرئيسي للعمال العرب في قطاع المخابز كما وتمركزاً، فعدد العاملين في المخابز العربية قليل جدا وأكثر مخبز يضم عشرة عمال فقط في حين يعمل في المخابز الإسرائيلة مئات العمال العرب مثل مخبز أنجل ومخبز بيرمن وهذا ما يوفر لهم المناخ الدائم للتحرك والمطالبة بتحسين ظروف عملهم. ومن هنا كان النضال المطلبي لهذا الجسم الرئيسي من عمال المخابز تحركاً يومياً في حين غالباً ما كانت المشاكل العمالية في الوسط العربي تحل بالطرق العشائرية أو بخروج العامل دون أتعاب باحثاً عن عمل آخر.

إن نقابة العاملين في الصناعات الغذائية قد أولت هؤلاء العمال أهمية خاصة وهي تسعى الآن لتشكيل لجان عمالية خاصة بهم.

[*دور النقابة في توحيد العمال..*]

لقد كان لإحياء نقابة عمال المخابز العامة في القدس (النقابة العامة للعاملين في الصناعات الغذائية) أثرا كبيرا في توحيد جهود العمال العرب في المخابز وتنظيم نضالاتهم المطلبية وتوجيه تحركاتهم في مواقع العمل ولعل الالتفاف الكبير للعمال حول نقابتهم قد ساهم فعلاً في دفع النقابة خطوات كبيرة الى الأمام رغم الشهور القليلة التي مضت على إحيائها.

ملاحظة :

عن "الوحدة العمالية"
صدرت عن نقابتي عمال المطابع وعمال الصناعات الغذائية في القدس في تشرين ثاني 1981 .


تعقيبك على الموضوع
مشاركة منتدى:
العمال العرب في مخابز القدس
الجمعة ٦ تموز (يوليو) ٢٠٠٧
بقلم محمد ابو خليل

ااريد عمل في مخابز القدس انا من طولكرم اسمي محمد عمري ٣٤سنة




الرد على هذه المشاركة

في هذا القسم أيضاً