الصفحة الرئيسيةقصص وسرد
ليلة لن تنسى
الجمعة ٢٥ آذار (مارس) ٢٠١١
بقلم عادل سالم

خرج من البيت مساءا لا يدري إلى أين يذهب. كان يشعر بالملل والإرهاق. اتصل من هاتفه الخلوي بالموظف المسؤول في المحل، وأمره أن يغلق المحل في الموعد المحدد لأنه لن يعود الليلة ليساعده.

كان الطقس دافئا، وأنوار السيارات تزين الطريق السريعة، اليوم الجمعة والناس هنا يذهبون لقضاء سهراتهم، أما هو وأصدقاؤه فيتركون زوجاتهم في البيوت ويذهبون للسهر وحدهم.

لكن هذه الليلة مختلفة عن الليالي السابقة، فكل أصدقائه مشغولون كأنهم اتفقوا عليه ليتركوه وحده تتقاذفه أمواج البحر.

هذا اليوم يذكره مجدي جيدا لأنه غير مجرى حياته كلها.

كلما يجلس يقلب دفاتره القديمة ويتذكر تلك الليلة يتمنى لو أصيب بمرض أقعده البيت ولم يخرج، لكن الأيام لا تعود إلى الوراء.
كان أول اتصال مع مصطفى فكان الخط مقفلا.
 الملعون أقفل الخط؟! يبدو أنه في سهرة مع إحداهن ها ها ها، ذهب لوحده، حسنا عندما أراه سيكون لي معه رأي آخر.

الطريق السريعة مزدحمة كأنه يوم الحشر، الكل يسير باتجاه وسط البلد، يجد نفسه ينجرف مع التيار فيغير اتجاهه من طريق سريع إلى طريق سريع آخر، سيذهب إلى وسط مدينة منيابولس، ومن هناك سيقرر إلى أين يذهب.

في الطريق اتصل مع سامر:
 سامر أين أنت؟
 أهلا مجدي، والله أنا اليوم مشغول، لقد عادت أختي اليوم من أرض الوطن وأنا في زيارتها مع زوجتي.
 يا سامر تستطيع رؤيتها غدا، اليوم الجمعة!
ضحك سامر:
 الوضع محرج ولا أستطيع، سأراك غدا.

أما أحمد فقد أخبره أنه وعد زوجته أن يأخذها إلى المطعم الياباني وقد حجز هناك وهو في الطريق إليه.

كل أفراد الشلة مشغولون إلا هو، هل آخذ زوجتي وأخرج؟ وماذا أفعل بالأولاد؟ لالا دعها تسهر معهم.
فكر أن يذهب إلى محلات(شيك) لكنه عدل عن رأيه أخيرا، رغم فخامة المحل فقد مله، لم يعد فيه جديد. الراقصات لم يتغيرن منذ ستة شهور، ولا يحب أن يذهب هناك بدون أصدقائه.

وصل إلى وسط المدينة، المشاة أكثر من السيارات فالبارات هناك في شارع رقم أربعة على الجانبين، والنسوان في ملابس السهر. رائحة عطورهن تشجع على الرقص. هل يوقف سيارته في إحدى محلات إيقاف السيارات ويذهب إلى إحدى البارات؟ أم يواصل السير في السيارة يمتع نظره بالناس على الجانبين.

واصل السير لا يعرف أين سيتجه.
عندما وصل شارع «نكلت» اضطر إلى التوقف أمام الإشارة الضوئية، إنها إشارة مملة يعرفها جيدا، فمدتها طويلة كأنها الدهر.

هذا الشارع هنا موقف للباصات، لا تستطيع أن تذهب يمينا أو يسارا، عليك انتظار الإشارة لمواصلة السير إلى الأمام. هذه الإشارة أصبحت من الإشارات التاريخية في حياة مجدي، كلما مر من هناك يلعنها ويلعن تلك الليلة التي تحول فيها لون الإشارة من الأخضر إلى الأصفر. كان بامكانه أن يواصل سيره فقد كان باستطاعته أن يقطع مفترق الطرق قبل أن تتحول الإشارة إلى اللون الأحمر لكنه أراد التوقف، كان يبحث عن مبرر ليوقف سيارته كي يميل بصره يمينا ويسارا، كأنه يبحث عن شيء لا يعرفه.
إنه الملل، عندما تشعر بالملل ولا تعرف ماذا تريد ولا إلى أين أنت ذاهب، تسير على غير هدى، تتخبط لا تعرف ما يخبئه لك القدر.

كان شباك النافذة مفتوحا، والنسيم يداعب شعره وصوت الموسيقى الصادرة من المسجل يطربه، بينما كانت عيونه تلاحق إحدى الفتيات في الجانب الأيسر، فجأة فتحت باب الجهة اليمنى فتاة عشرينية ممتلئة أنوثة، وعندما أدار وجهه فوجئ بها تجلس بجانبه، وترمي نفسها عليه، ثم تبدأ بتقبيله بشراهة، كأنها لم تر رجلا بحياتها.
لم يصدق، ما الذي يجري بالسيارة؟
قال لها:
 ما الذي تفعلينه؟
 أنا أحبك، أريدك، دعني ....
نظر إليها كانت جميلة، بيضاء، صدرها ممتلئ، رائحة الخمر تفوح منها، سكرانة بلا شك، مستعدة لكل شيء.
لم لا فيوم الجمعة في هذا البلد يوم المفاجآت، والعجائب.
لكن هنا في الشارع، يا إلهي؟ ما أغباها،
صمت قليلا، ثم أقنع نفسه بأنها سهرته الليلة.

من أين جاءت؟ لعلها هدية السماء له؟ من يدري ربما ستكون لعنة السماء الأبدية.
رفع يدها عنه وقال لها:
 حسنا انتظري كي لا يراك أحد؟!
 لا تقلق، ليذهب الجميع إلى الجحيم، المهم أنت أنا أريدك الآن، بسرعة.
كان يضحك في داخلة ويقول:
 هل أنا في حلم؟ من أين حلت علي هذه النعمة؟

الإشارة تغيرت إلى اللون الأخضر، ضغط على البنزين واتجه إلى الطريق السريع، وعندما ابتعد عن الأضواء بدأت تداعبه في كل مكان.
لقد أثارته الملعونة، أهذا ما يفعله الخمر بالنساء؟

اقتربت منه طوقت كتفه بذراعها الأيسر. فيما واصلت يدها اليمنى ما كانت تفعله، كان سيطلب منها التوقف لكنها كانت تسكته بقبلاتها. لم يعد يعرف كيف يقود السيارة، السيارة بدأت تتمايل ذات اليمين وذات اليسار، حاول تهدئتها لكنها لم تستجب له.

بدأ يتصبب عرقا. شاحنة كبيرة كانت تسير بجانبه من الجهة اليمنى، يبدو أن صاحبها انتبه لما لما تقوم به المرأة التي هلت عليه من السماء، فضغط على الزامور بقوة متواصلة، ارتبك مجدي واعتقد أنه انحرف عن خط سيره فحرف سيارته إلى اليمين لم ينتبه أن سيارة أخرى بجانبه فقرب منها، ضغط فورا على الفرامل ليوقف السيارة فضربته سيارة تسير خلفه لم يتوقع سائقها وقوفه المفاجئ. ما الذي يجري؟ حادث مروع سيارة تضرب أخرى، فقد وعيه لم يعد يشعر بشيء.

استيقظ ليجد نفسه بالمستشفى، كان بوضع صعب غير قادر على الحركة حاول تحريك قدمه فلم يستطيع قيل له أنها مكسورة كسرا بليغا، وأن يده قد بترت. لم يصدق ولم يعرف هل يبكي على يده الضائعة، أن على كسر رجله، أم على غبائه، أم على تلك الليلة التي غيرت مجرى حياته كلها…

فجأة دخلت عليه زوجته، بدأت تبكي وتولول على حاله وهجمت عليه تعانقه حزنا عليه، لأول مرة يشعر بحنان زوجته، وعطفها، وحبها. لماذا لم يشعر بذلك الحنان من قبل؟ ألأنه كان بدون مشاعر، أم لأن تلك الليلة أفاقته من غفوة طويلة؟
هل يعترف لها؟ هل يقول لها لماذا هو هنا؟

بدا حائرا لا يعرف ماذا يقول، انعقد لسانه، لم يعد يميز شيئا، ذاكرته أصيبت بانهيار، فقد معظم ذاكرته، لكنه لم يفقد ما جرى في تلك الليلة، وكلما حاول أن ينساها، عادت له بقوة.


تعقيبك على الموضوع
في هذا القسم أيضاً