ظاهرة الجواسيس العرب
تُرى من هم العملاء؟!.. وهل يجب أن يكتفي شعبنا بمحاسبة العملاء الصغار، أم تجب محاسبة الكبار أولاً؟!
الأحد ٢٠ تموز (يوليو) ١٩٩٧
بقلم عادل سالم

ليس مبالغاً أن إسرائيل قد نجحت وتنجح يومياً في تنظيم العشرات من العملاء العرب للعمل معها والتجسس على دولهم وشعوبهم وأقاربهم والعمل ما أمكن لما هو في مصلحة إسرائيل أولاً وأخيراً.

وتستخدم إسرائيل لتحقيق غرضها هذا أساليب متنوعة تتراوح بين الترغيب والإغراء، وانتهاء بالتهديد والملاحقة، ولعل السنوات الثلاثين الماضية قد أثبتت لنا أن المخابرات الإسرائيلية تحاول جاهدة زرع العملاء العرب في جميع الدول العربية سواء التي وقعت معاهدات سلام معها كمصر والأردن أو سلطة الحكم الذاتي أو تلك التي تعتبر في صفوف الدول المعادية لها.

ورغم انكشاف المئات من العملاء العرب خصوصاً في المناطق التي تحتلها إسرائيل (فلسطين ولبنان) حيث الاحتكاك اليومي المباشر، فلم يسجل التاريخ حتى اليوم _ اللهم إلا إذا كنت أجهل ذلك _ نجاحاً عربياً واحداً في تنظيم أي يهودي للعمل كجاسوس لأي دولة عربية أو لمنظمة التحرير الفلسطينية التي وصل التغلغل المخابراتي الإسرائيلي فيها الى أعلى مستوى ممكن.

لعل من المفيد جداً ونحن في غمرة الحديث عن ظاهرة العملاء أن نميز بين ظاهرة العمالة أو التجسس لصالح المخابرات الإسرائيلية أو العكس وبين المجموعات السياسية الإسرائيلية المؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني والتي تناصره لقناعة داخلية وليس مقابل رشوة أو أية فوائد خاصة.

وإذا كانت قضية العميل المصري الأخيرة (عماد اسماعيل) قد كشفت عن يقظة المخابرات المصرية تجاه المحاولات الإسرائيلية المحمومة لزرع العملاء في جمهورية مصر العربية، إلا أن الاطلاع الكامل على أبطال هذه القضية، تصيبنا بنوع من الإحباط.

فعماد اسماعيل عميل عربي (مصري)، والفتاتان الفارتان (منى شواهدة وزهرة جريس) هما كذلك من عرب إسرائيل، وقبل مدة ليست ببعيدة، كشفت السلطات الفلسطينية في قطاع غزة عن عميل خطير كان يعمل في صفوف حركة الجهاد الإسلامي، وساعد أجهزة المخابرات الإسرائيلية بتجنيد انتحاريين فلسطينيين لمهاجمة مستوطنة إسرائيلية في القطاع، وبعد ترتيب المهمة فجرت المخابرات الإسرائيلية حقيبة المتفجرات بالروموت كونترول عن بُعد فقتل الانتحاريان، واتخذت إسرائيل من العملية التي نفذتها أجهزتها مبرراً لإغلاق المناطق الفلسطينية والادعاء بأن السلطة الفلسطينية عاجزة عن ضبط الأمن في مناطقها.

وليس هذه سوى غيض من فيض، ولا داع للاسترسال أكثر فكلنا يعلم أو يتذكر بأن عملاء عرب كانوا وراء تفجير العديد من السيارات المفخخة في لبنان .. وتقول الإحصائيات الإسرائيلية بأن هناك 18 ألف عميل فلسطيني في الضفة وقطاع غزة طلبت إسرائيل رسمياً من سلطة عرفات عدم ملاحقتهم، ولا نعتقد أن هذا الرقم يتضمن أسماء العملاء الذين لم ينكشف أمرهم بعد!!

لسنا في معرض سرد التفاصيل، ولا تضخيم الموضوع أو المبالغة فيه، لكن علينا أن نواجه الحقيقة دون لف أو دوران.. إنها حقيقة مؤلمة.. تصيبنا بالقرف والاشمئزاز، وعلينا أن نتساءل لماذا هذا الكم الهائل من العملاء؟!.. وماذا يفسر ذلك؟!

صحيح أن معظم دول العالم إن لم يكن جميعها تتجسس على بعضها البعض، في الحرب وفي السلم، وخصوصاً الدول المتصارعة التي يحاول كل طرف فيها معرفة الأسرار الحربية للطرف الآخر لتساعده في رسم خططه العسكرية.. فقد نجح السوفييت في زرع العديد من العملاء في الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك استطاعت الـ (سي.آي.ايه) الأمريكية اختراق المؤسسة الرسمية السوفييتية، إلا أن الظاهرة التي نحن بصددها (العملاء العرب) تختلف عن ذلك كل الاختلاف لأنها ظاهرة من طرف واحد .. إسرائيل تزرع العملاء العرب في صفوف العرب، والعرب يفشلون في كشف أسرار الطرف الآخر، إضافة الى العدد الكبير من العملاء الذي يحتاج الى وقفة!!

أشك كثيراً أن تكون المخابرات العربية لم تحاول أبداً تجنيد العملاء اليهود لصالحها؟!.. وأقول العملاء اليهود ذلك أن محاولة إرسال مواطنين عرب للتجسس على إسرائيل هي مسألة مختلفة ليست موضع حديثنا ولو أنها تمت بشكل بسيط..

ويبدو واضحاً أن المخابرات العربية فشلت في تجنيد اليهود لصالحها في حين نجحت في تجنيد المواطنين العرب للتجسس على بعضهم البعض، واستفادت من المخابرات الإسرائيلية وربما تبادلت المعلومات معها لملاحقة المعارضين لتصفيتهم.

إن الفشل الواضح في تجنيد العملاء اليهود، في الوقت الذي نجحت إسرائيل فيه بتجنيد الآلاف من العملاء العرب أكثرهم في فلسطين ولبنان، ثم مصر، سورية، العراق، تونس .. إنما تؤكد حسب وجهة نظري المسائل التالية:

1) تماسك الطرف الإسرائيلي داخلياً وهشاشة الطرف العربي، ولعل التخلف من جهة، والنزاعات العربية بين الحكومات، والأحزاب والفصائل والعشائر والقبائل وأخيراً العائلات من جهة أخرى تلعب دوراً مساعداً في ظاهرة التساقط القائمة.

2) إنعدام الوعي الأمني لدى الجانب العربي، فالمواطن العربي يعتمد على الغيبيات.

3) انعدام الرادع الفعال في معظم الحالات ما عدا في مصر، فعدا حالات قليلة، تم فيها محاسبة العملاء، فقد بقي معظمهم يعيشون في الأرض فساداً دون حساب حتى أن قسماً من العملاء في المناطق الفلسطينية أصبحوا الآن من المحسوبين على السلطة نفسها .. فأي رادع سيشكل ذلك لدى ضعاف النفوس؟!

4) المصالح الفردية هي الغالبة في الوسط العربي، والانتماء الوطني أو القومي ضعيفان الى أبعد الحدود .. خذوا مثلاً الهرولة العربية غير المبررة لإقامة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل حتى قبل انسحابها التام من الأراضي العربية المحتلة عام 67، تلك الهرولة التي لم يوقفها سوى غطرسة نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل الجديد .. ويقيناً لو بقي بيريز في منصبه ، لأصبح لإسرائيل اليوم علاقات تجارية ودبلوماسية مع معظم الدول العربية.. ولماذا نلوم قطر في حين كان عرفات مجتمعاً مع شمعون بيريز في الوقت الذي كانت فيه الطائرات الإسرائيلية تقصف (قانا) في جنوب لبنان.

ما الفرق بين عميل كـ (عماد اسماعيل) قبل التجسس على بلده مقابل حفنة دولارات وبين رئيس بلد عربي ما أن وقع عرفات على وثيقة السلام حتى هرول الى إسرائيل طالباً ودها وبركتها وخبرتها مقابل فتح أسواقه لها على مصراعيها؟!...

ما الفرق بين عميل ترسله إسرائيل الى الأردن للتجسس على الأردنيين هناك وبين رئيس جهاز مخابرات عربي يتبادل التقارير الأمنية مع إسرائيل؟!

تُرى من هم العملاء؟!.. وهل يجب أن يكتفي شعبنا بمحاسبة العملاء الصغار، أم تجب محاسبة الكبار أولاً؟!
التوقيعات: 0
التاريخ الاسم مواقع النسيج مشاركة