كثيرا ما أقرأ على الشبكة الدولية لكتاب عرب يصفون أنفسهم بأنهم شعراء، أو أدباء، أو كتاب عالميون، فقد أصبحت كلمة العالمية موضة العصر في كل شيء من الأدب، إلى الموسيقى، إلى الفكر، وأخيرا إلى الصحافة.
ولعل وسائل الإعلام المصرية من صحف، وفضائيات، وإذاعات أكثر من يستخدم هذه الاصطلاحات دون مبرر، وكأن الانتماء إلى الوطن، أو الأمة، أصبح فيه ما يعيب، أو ربما أصبح شيئا مخجلا البوح به.
فما أن لبى المطرب المصري حكيم دعوة لجنة جائزة نوبل بالغناء في حفل توزيع جوائز نوبل الماضية حتى انبرت بعض الفضائيات المصرية بوصفه بأنه مطرب عالمي، باعتبار أن الانتماء العالمي له ميزة على المطرب المصري؟
وعندما حصل نجيب محفوظ على جائزة نوبل أصبح يوصف بأنه الأديب العالمي واختفت كلمة الأديب العربي، أو الأديب المصري من الصحافة المصرية، وكأنها نقيصة بحقه، وربما رآها بعض المسؤولين للأسف الشديد بأنها لا تليق بالأديب الكبير الراحل نجيب محفوظ، مع أنه لا زال يعيش في قلوب المصريين والعرب، وليس الأمريكيين، ولا الاستراليين.
والأمثلة على ذلك كثيرة، لكن النقطة الأكثر لفتا للنظر هذه الأيام أن بعض الكتاب الشباب استهوته الفكرة، فبدأوا باطلاق صفة الكاتب العالمي على كل واحد منهم، فهذا شاعر عالمي، وذاك الروائي العالمي، وآخر المفكر العالمي، ربما لأنه يفكر بلغة عالمية لم نسمع بها!!
كل هذا فقط لأنهم ترجموا بعض نصوصهم في الأدب، أو الثقافة، إلى لغة، أو لغات غير عربية، وكأن العالمية تعني ترجمة الكتب، إلى لغات آخرى.
لا نريد أن نذكر أسماء بعض الذين يستخدمون هذه الألقاب لئلا يتوهم كتابنا العالميون أننا نخيط مؤامرة ضدهم وضد عالميتهم.
أنا واثق أن هذا المقال سيعرض صاحبه لشتائم عالمية، لذلك جهزت نفسي، واشتريت جهازا خاصا لتلقيها.
في المقابل تقرأ في الصحف الأمريكية، أو البريطانية، على سبيل المثال فلا تجد تلك النغمة، ولا تسمعهم يصفون مايكل جاكسون بأنه مطرب عالمي رغم أنه غنى في عشرات الدول في شتى أرجاء العالم، واسمه مشهور أكثر من أي مطرب عربي وجد حتى الآن، بل يصفونه بأنه مطرب أميركي.
كتاب أمريكيون كبار منهم على سبيل المثال آرنست همنجوي لم نسمع أحدا لقب نفسه بالكاتب العالمي رغم أن بعضهم وزع ملايين النسخ من كتبه في شتى أنحاء العالم في حين بعض هؤلاء الكتاب العالميين العرب لم يبع من كتبه أكثر من عدة مئات من النسخ، إن حالفه الحظ.
الممثل الأمريكي المشهور سيلفر ستالون تعرض أفلامه في كل العالم، ويوصف بأنه ممثل أمريكي، لكنا نصر أن نسمي عمر الشريف بأنه ممثل عالمي!!
الممثل اليوناني المعروف الراحل أنثوني كوين كانت صحافة الغرب تصفة بالممثل اليوناني، بغض النظر عن مكان عمله لكن الصحافة العربية تصر أن تصفه بالممثل العالمي، ولا أدري والله لماذا هذا الاصرار على كلمة العالمي!!
هل هي الشعور بالدونية من القول مثلا كاتب سوري، وممثل مصري، ومطرب سعودي، وشاعر يمني الخ؟؟
أهو الغرور الذي يصيب كتابنا تحديدا الذين يشعرون أن إضفاء تلك الهالة الكاذبة هو الطريق لانتشارهم، وشهرتهم؟
ثم ما الذي تعنيه كلمة عالمي؟ هل تزيد من إبداع الكاتب؟ هل تجعل قصيدته مثلا أكثر جمالا؟
هل تجعل روايته أكثر حبكة؟ أكثر تشويقا؟ أم هي تسميات لذر الرماد في العيون وللتغطية على عيوب هنا وأخرى هناك؟
لنترك كل ذلك جانبا ونتساءل: هل فعلا هناك كتاب عالميون؟
إنه من السخرية الإجابة على هذا السؤال بنعم مهما بلغت شهرة الكاتب (الأديب، الشاعر، القاص الخ)، لأن الكاتب، والأديب، والشاعر نتاج لغته، ثقافته، وطنه، أمته، بيئته، وليس نتاج كتاب ترجم إلى لغة أخرى.
رحم الله الأديب الراحل طه حسين فقد كان يوقع مقالاته وكتبه بكلمة طه حسين دون أن يكتب بجانبها كلمة الدكتور طه حسين، أو عميد الأدب العربي حيث وصفه نقاد زمانه. فاسمه كان يكفي ليعرفه قراؤه لكن بعض كتاب هذا الزمان لا يعرفهم أحد حتى لو وصفوا أنفسهم بكتاب عالميين، أو قمريين، أو شمسيين، لأنهم يتوهمون أن الألقاب هي التي تصنع الشاعر، وليس نصوصه الإبداعية.
هل نحتاج إلى وصف المتنبي بالشاعر عندما نتحدث عنه؟ أم أن اسمه وحده أكبر تعريف؟ وهو ليس بحاجة إلى أن يكتب بجانبه كلمة الشاعر،
إن اطلاق كلمة كاتب عربي مثلا، مصري، أو سوري، أو فلسطيني، أو تونسي الخ هي الأساس ويبقى الهروب لألقاب مثل كاتب عالمي لا تعني شيئا سوى محاولات الهرب من الإبداع الحقيقي إلى التلاعب بالألفاظ والألقاب لسد النقص في النصوص الأدبية المنشورة.
الشاعر، أو الأديب، أو المفكر ... إلخ لا يحتاج إلى جرعات أدوية لتسويق نصوصه لجمهوره، وكلمة عالمي لن تضيف إلى إبداعاته شيئا، بل ستعلمه الغرور أكثر مما تعلمه الإبداع، فهل يتعلم شعراؤنا وكتابنا (العالميون) النزول من أبراجهم العالمية الفارغة ليتحفونا بإبداعاتهم الحقيقية؟
آن للفضائيات العربية أن تتوقف عن استخدام تلك الأوصاف غير الدقيقة، وتسمي الأشياء بأسمائها.
لماذا لا يتعلم إعلاميونا وأدباؤنا وشعراؤنا، ومفكرونا، الثقة بالنفس والفخر بأنهم أبناء هذه الأمة، وكتابها، ومثقفوها.
في العام الماض 2006 صدر لعادل سالم مجموعة قصصية بعنوان (لعيون الكرت الأخضر) عن المؤسسة العربية للدراسات في بيروت، وقد فوجئت بعد استلام النسخ الأولى من المؤسسة أنهم كتبوا في صفحتة الثانية للأسف التعريف التالي بصاحب المجموعة:كاتب أمريكي من أصل فلسطيني
فأرسلت لدار النشر محتجا، مؤكدا عدم تكرار الخطأ بالمجموعة الثانية التي ستصدر خلال الشهرين القادمين من العام الحالي 2007 لأنني كاتب عربي مقيم في الولايات المتحدة، فجواز السفر الأمريكي والإقامة في الولايات المتحدة لسنوات طويلة ليست سببا كافيا لتجعل مني كاتبا أمريكيا، فالكاتب ليس مجرد جواز سفر فرضته ظروف خاصة، لكنه انتماء ثقافي، حضاري، لغوي، انتماء لأمة، لشعب، لأهل، لأرض .... انتماء يسري في عروقي ولن أقبل أن أتخلى عنه.
التاريخ | الاسم | مواقع النسيج | مشاركة |