«بعيدا عن الوطن» [1] رواية للكاتبة الأمريكية الأفريقية (كاني بريسكو) [2] تقع في ٣٥٠ صفحة، يمكن وصفها بكل صدق بأنها ملحمة تاريخية.
مكان الرواية ولاية فرجينيا الأمريكية، الزمان في أواسط القرن التاسع عشر في قرية صغيرة في تلك الأيام تدعى (مونتبليير) في زمن العبودية.
كانت الأم «سوزي» تعيش مع ابنتها «كلارا» وأقارب لها (أخواتها) وأولادهم كعبيد تابعين للسيد جيمس ماديسون الذي كان في مطلع القرن التاسع عشر رئيسا للولايات المتحدة (الرئيس الرابع)، حيث كانوا جميعا يعملون في مزرعته الواسعة فيما كان يعاملهم هو معاملة حسنة.
كانت مهمة «سوزي» العمل مع ابنتها في البيت الكبير مسؤولة عن الأعمال المنزلية الداخلية فيما كان الآخرون موزعين على الأعمال الأخرى وأكثرهم يعملون في المزارع.
كان العمل في المنزل بمثابة امتياز لسوزي حيث العمل أسهل من العمل في المزارع.
وشروط الحياة أفضل.
وقد عهد جيمس ماديسون لعبيده أنه لن يبع أحدا منهم فذلك كان أسوأ عقاب يتعرضون له لأنه يفرقهم عن بعضهم، وعن أولادهم للأبد.
لم يكن زوج «سوزي» يعمل في نفس المكان لأنه كان مملوكا لسيد آخر يرسله في مهمات بعيدة لذلك كان لا يلتقي بزوجته وابتنته سوى مرة واحدة في الأسبوع إن رضي عليه سيده.
تبدأ الأحداث المأساوية بعد وفاة السيد «ماديسون» الذي لم يكن له أولاد، فيرث الأرض زوجته وابنها من زوج سابق السيد (تاد) الذي يصبح السيد الجديد، وتغض أمه الطرف عن قسوته على العبيد حتى لا يفر ويتركها، فيحاول اغتصاب ابنة سوزي (كلارا) التي لم تبلغ ١٣ عاما بعد، فتهجم الأم عليه بعد أن يصلها استغاثة ابنتها، وتضربه بعصا غليظة تؤلمه، فيقرر الانتقام منها، حيث يجبرها على النوم في أماكن نوم العبيد المزارعين الذكور مع ابنتها حيث الشروط الصحية أسوأ من تلك التي كانت تعيش فيها مع ابنتها، ويهددها بانتقام أكبر.
والد (كلارا) السيد «ووكر» يصله خبر محاولة اغتصاب ابنته فيقرر الانتقام، لكن مالكه (سيده) الأبيض يشك بنيته فيقرر بيعه لمالك جديد من ولاية جديدة مما يعني انفصاله النهائي عن زوجته، وابنته، وأهله، فيقرر الهرب إلى الشمال حيث لا عبودية، ويحاول إقناع زوجته بذلك لكنها ترفض لأن الهرب لا يؤمن لها الأمان، فأين سيعيشون؟ وأين سيعملون؟ وهل طريق الهرب آمنة؟ ومن سيمنع الأسياد في الجنوب من ملاحقتهم وإعادتهم مكبلي الأيدي، والأرجل؟
يهرب الأب ويترك ابنته التي تقرر البقاء مع والدتها، وعماتها. تكبر (كلارا) وتفاجأ أمها أنها حامل، لكنها لا تعرف من أين، وتحاول أن تعرف من ابنتها من يكون والد حفيدتها، لكنها تفشل ويبقى السر مع كلارا الأم حتى موتها. كانت العلاقات الجنسية للعبيد لا تخضع دائما للزواج، فقد كان البيض يعدونهم من أملاكهم، ويتصرفون معهم كما يحلو لهم دون أي اعتبار.
تلد كلارا ابنتها الأولى وتطلق عليها اسم (إيلين)، كانت أقرب الشبه بالبيض منها للسود فتعرف الأم (سوزي) أن ابنتها أقامت علاقة غير شرعية مع سيد أبيض تخاف ابنتها أن تفصح عنه.
تموت الجدة وتلد كلارا ابنة جديدة تطلق عليها اسم (سوزَن) [3]، تشبه ابنتها الأولى، وتكون الابنة الثانية لكلارا.
(سوزن) بطلة القسم الثاني من الرواية والشخصية المركزية في الصراع، وتشير الكاتبة أن (سوزن) إحدى جداتها.
يصبح البيت الذي تخدم فيه كلارا وابنتاها ملكا لسيد جديد يدعى (ستيفن). وتصبح (سوزن) تعمل كوصيفة لابنة (ستيفن) التي تقاربها في السن. وبسبب هذه الزمالة غير المعلنة مع ابنة السيد تتعلم سوزن القراءة، وتجيد بعض الكلمات الفرنسية، وتتصرف مثل بنات الأسياد البيض، فيكتشف السيد ستيفن من خلال زوجته ذلك فيمنعها من الاقتراب من الكتب وينذر أمها إن اقتربت سوزن من الكتب فسوف يبيعها في سوق العبيد، ويحرم كلارا منها.
تنقل كلارا لابنتها سوزن تهديد السيد، وتلحقه بتهديدها هي إن اقتربت من أي كتاب في مكتبة البيت الكبير. وتلتزم سوزن بالأوامر، وتحاول عدم تنفيذ أوامر (ربيكا) ابنة ستيفن، لكن الأخيرة دائما تجبرها على تنفيذ أوامرها، فتقول لها في أحد المرات:
– «سوزن»، أيتها العبدة المملوكة للسيد والسيدة (ستيفن)، ولابنتهم (ربيكا)، إني آمرك بارتداء الفستان فورا (ص١١٤).
في أحد الأيام يقرر (ستيفن) بيع البيت، والعودة إلى ولايته الأصلية، ألاباما، ولكنه يتخذ قرارا يشعل فيه فتيل الحرب مع كلارا وابنتيها، حيث يقول لكلارا أنه سيأخذ معها ابنتها (إيلين) لتكون وصيفة (خادمة) لابنته (ربيكا) رغم أن ابنته تفضل (سوزن) لكنه لا يحبها لأنها تحب الكتب، فتجن كلارا لسماع الخبر، فهذا يعني في عالم العبودية أنها لن تراها بعد ذلك أبدا، لذلك كانت تفضل أن تبقى مع ابنتيها في المدينة ليتم بيعهن جميعا لمالك البيت الجديد كما جرت العادة من قبل.
تهرب «إيلين» مع زوج أمها الأسود حتى يرحل السيد ستيفن وعائلته من البلد، معتقدة أنها بذلك تهرب مما خطه لها القدر. يغضب هذا التصرف السيد «ستيفن»، فيكون انتقامه عنيفا وأسوأ مما توقعت. يضربها بقسوة، ويقرر بيع (سوزن) لسمسار للعبيد يحضر لاستلامها من (رتشموند) في نفس الولاية لكنها بعيدة عن (مونتبليير) حيث يقيمون.
يحضر السمسار بعربته وقيوده، فترفض (سوزن) الانصياع له لكنه يضربها بعنف ويقيدها بالسلاسل، ويرميها في العربة التي تجرها الحصن وينطلق دون أن يسمح لأمها بوداعها.
مشهد ذكرني بقوات الاحتلال الصهيونية عندما كانوا يحضرون لاعتقال أحد المناضلين الفلسطينيين، حيث يكبلونه، ويعصبون عينيه، ويمنعونه من وداع أهله.
تصرخ كلارا بأعلى صوتها، لا أحد يسمعها، تطلب الرحمة من (ستيفن) لكنه يركلها إلى الأرض، تلحق بالعربة لتضع قلادة من الخرز الأزرق على رقبة ابنتها فلا تستطيع، تسقط كلارا على الأرض، وتتناثر حبات العقد على التراب.
يصل السمسار (تيلر) إلى (رتشموند) ويبيع سوزن إلى عائلة كان سيدها يبحث عن طفلة في عمر (سوزن) ليقدمها هدية لابنته في عيد زواجها لتكون خادمة مطيعه لها وتساعدها في أطفال المستقبل.
تصبح سوزن خادمة في البيت الجديد وبشكل خاص في خدمة الابنة (إليزابيث) وزوجها (رتشارد) حيث يقيمان مع والدها المعروف في المدينة، وأحد سياسييها المخضرمين.
تمر السنوات، تتعرف فيها سوزن على السيد (ألفر) العبد الأسود الذي حصل على حريته بعد أن اشتراها من سيده بثمن غال وبعد عمل سنوات طويلة، لكنها كانت حرية منقوصة حيث ما زال البيض يعاملونه باعتباره عبدا.
تتسارع الأحداث هنا حيث تشهد الولايات المتحدة الحرب الأهلية التي تكون نهايتها انتصار الشمال على الجنوب، وتحرير العبيد، وتقتحم قوات الاتحاد وفي مقدمتهم فرقة السود الذين كانوا عبيدا آخر معاقل الجنوبيين في (رتشموند) حيث مقر رئيس الكونفدرالية الجنوبية، فتبحث (سوزن) عن حبيبها وزوجها (أُلفر) الذي هرب من التجنيد في جيش الجنوبيين ليلتحق مع قوات الشمال، فتلتقي به ثم تنتقل إلى مدينة حديثة (وست بوينت)، ومن هناك تبدأ مثل ملايين السود الآخرين رحلة البحث عن عائلتها أو ما تبقى منهم. تنشئ الحكومة مكاتب رسمية مهمتها البحث عن عائلات وأسر العبيد، وتنهي تلك المكاتب عملها بعد سنوات دون أن تعرف شيئا عن أهل سوزن.
فالمشكلة الأساسية التي كانت تواجهها تلك المكاتب أن العبيد لم يكونوا مسجلين كمواطنين في سجلات رسمية، وليست لهم أسماء كاملة، ومن هنا جاءت أسماء السود فيما بعد شبيهة بأسماء أسيادهم لأنهم فقدوا كل الجذور بتاريخهم الحقيقي.
بعد أن كادت سوزن تفقد الأمل بالعثور على أحد، تصلها أول بشائر الفرح، رسالة عن طريق بعض الأشخاص من آختها «إيلين»، فلا تصدق وتقرر على الفور السفر مع زوجها لزيارتها، وهناك تتساقط الدموع الممزوجة بالألم فتشكو كل منهما للأخرى ما جرى لها من ويلات، وتكشف كل منهما لأختها عن جسدها لتشاهد آثار السياط التي أصبحت علامة مميزة لن تختفي أبدا.
تعد الرواية من الروايات الفريدة من نوعها لأنها تكشف عن رحلة المعاناة التي عاشها السود الأفارقة (العبيد) في الولايات المتحدة بأسلوب فني رائع، تلك المعاناة التي يصعب على من لا يفهمها أن يعرف كيف يفكر السود اليوم وسر حقدهم الدفين غير المرئي على البيض.
كلارا الطفلة تسأل والدها عندما كان يأتي لزيارتها في نهاية الأسبوع:
– لماذا لا تبقى معنا؟
فيرد عليها قائلا:
– لا أستطيع يا ابنتي، فأنا أعمل طيلة الأسبوع، وأجبر على السفر لأماكن بعيدة.
أمور لا يفهمها الأطفال الذين يحلمون بأب يحتضنهم كل صباح.
في صفحة ٧٣ تقول الكاتبة على لسان الراوية :
«كلارا ما زالت تذكر اليوم الذي غادرت فيه العمة ناني مع بنتيها (إحداهما طفلة بسن الرضاعة) للمالك الجديد من منطقة بعيدة، أسوأ منظر كان منظر أمي تعاني وهي ترى أختها في العربة تبكي مع ابنتيها.
زوج (ناني) وأبو الابنتين لحق بالعربة، رغم معرفته أنه سيعاقب على ذلك وظل يطاردها باكيا حتى غابت العربة عن الأنظار. لم تبلغ أين رحلوا، ولا ما المصير الذي انتظرهما. هل ظلوا معا؟ أم افترقت البنتان عن أمهما».
رغم استسلام العبيد لمالكيهم لعجزهم عن التحرر لكن ذلك لا يعني أنهم كانوا مستسلمين طوال الوقت، فقد شرحت لنا الرواية عن حالات تمرد هنا وهناك كان يقوم بها العبيد ضد أسيادهم والتي وصلت حت قتل بعضهم لأسيادهم.
في صفحة ٧٢ تقول الأم (سوزي) لابنتها (كلارا) بعد محاولة السيد (تاد) اغتصابها:
«إذا حاول معك السيد تاد من جديد، عليك مقاومته، عضه، ضربه، والصراخ بأعلى صوت».
أليس هذا ما قاله غسان كنفاني في رائعته (رجال في الشمس) على لسان السائق بعد أن وجد الرجال الذين خبأهم في خزان المياه قد ماتوا: لماذا لم تدقوا الخزان؟ نعم لماذا لم تصرخوا؟ لماذا قبلتم الموت بصمت؟
في ص ١١١ يظهر بوضوح حرص الأسياد على تجهيل العبيد، ليسهل استعبادهم، فالتعليم يحرض على المقاومة، والمطالبة بالحرية، فيما الجهل والتخلف يساعد على الاستسلام.
تسأل السيدة ماري «زوجة السيد ستيفن» العبدة الأم (كلارا):
– هل تجيد (سوزن) القراءة بشكل جيد؟
– ليس كثيرا لقد تعلمت بعض الكلمات من السيد (بنجامين)، وزوجته، وبناته عندما كانوا هنا.
فتنصحها السيدة ماري أن تكف ابنتها عن ذلك، وإلا تعرضت للعقاب.
كان الأسياد البيض يعلمون أبناءهم بأن الإنجيل يعلمهم أن البيض هم الأسياد فيما السود هم العبيد. في ص ١١٦ تقول الطفلة (ربيكا) ابنة (ستيفن وماري) لخادمتها الطفلة (سوزن):
– أنت وأختك رغم أنكما قريبتان من اللون الأبيض، لكنكما تعدان من الملونين، وهذا يجعلكما من العبيد، حتى الإنجيل يقول ذلك.
تسألها «سوزن» باستغراب:
– حتى الإنجيل يقول ذلك؟
– نعم أبي قال ذلك.
بعد ذلك تسأل (سوزن) أمها، هل صحيح أن الإنجيل يقول أننا من العبيد؟ فترد عليها الأم:
– هكذا يقول البيض، نحن لا نعرف القراءة لنعرف صحة كلامهم من كذبه.
تعرض الرواية لهرب كثير من العبيد من الولايات الجنوبية حيث العبودية الرسمية، إلى الولايات الشمالية حيث الحرية، لكنها كانت حرية منقوصة، ففي الشمال كان العمال البيض يشعرون بمنافسة العمال السود لهم فيلاحقونهم ويخلقون لهم المشاكل، مما يجبر بعضهم على العودة لنار العبودية في الجنوب.
أبرز تلك المواقف كان موقف العبدة (مارتا) حيث تسأل العبد (ريف):
– ماذا سأفعل بالحرية؟ من أين سآكل؟ وكيف سأعيش وقد تجاوزت الستين من عمري؟
إنه نفس الموقف الذي طرحته سوزي على زوجها العبد (ووكر) عندما عرض عليها الهروب للشمال:
– أين سنسكن؟ من سيوفر لنا لقمة العيش؟
هذه التساؤلات لم تكن تعني جهل العبيد لمعنى الحرية، ولكنها تعني إدراكهم الغرائزي أن الحرية لا تعني هروبهم من منطقة إلى أخرى بل حريتهم كلهم في المجتمع الذي يعيشون فيه.
لقد قالتها (كلارا) لابنتها (سوزن) يوما ما:
«ليس بالضرورة أن تكون أبيض لتكون حرا، لكن من الضروري أن تكون أبيض لتنعم بالحرية».
لقد حصل كثير من البيض على حريتهم حتى في المناطق الجنوبية بعد أن اشتروها من أسيادهم لكنهم كانوا مطالبين بحمل وثائق رسمية تثبت ذلك أينما ذهبوا، وكانوا ممنوعين من دخول المنتزهات العامة الخاصة بالبيض، ولا يستطيعون العمل في المهن التي يمتهنها البيض، ولا السكن في مناطقهم ... إنها حرية شكلية، وصفتهم (سوزن) عندما كبرت بأنهم «عبيد بلا أسياد».
الخلاف على العبودية كان أحد الأسباب التي دفعت الولايات الجنوبية للانفصال عن الشمال وتشكيل دولة جديدة (كونفدرالية) برئيس جديد هو (جفرسون ديفيس)، لكن الحرب اشتعلت ليس بسبب العبيد بل ردا على محاولة الانفصال ولاستعادة وحدة الولايات المتحدة بالقوة.
بدأت الحرب في ١٢ نيسان، إبريل ١٨٦١ عندما أطلقت قوات جنوبية النار على قوات فدرالية كانت تعسكر في الجنوب، فأعلن الرئيس لنكولن الحرب على الجنوب.
استمرت الحرب ٤ سنوات كان السود العبيد ممنوعين من الخدمة في الجيش الأمريكي في الشمال لأن ذلك كان كفيلا بإحداث انقسام بين الجنود. لكن استبسال الجنوبيين في الدفاع عن أراضيهم والخسائر البشرية الكبير في ميادين القتال دفعت لنكولن الاستجابة لنصائح مستشاريه بضرورة تجنيد العبيد في الحرب ضد الجنوبيين لأن ذلك لمصلحتهم، وحتى تكتمل الصورة فقد أعلن في نهاية ١٨٦٢ بأنه ابتداء من الأول من كانون ثاني، يناير ١٨٦٣ تصبح العبودية لاغية على كل الأراضي الأمريكية بما فيها الولايات الجنوبية.
دفع هذا القرار الآلاف من العبيد للهرب من الجنوب إلى الشمال، وبدأت القوات الشمالية بتجنيدهم للقتال في صفوفها لكن حتى لا تخلق بلبلة في صفوف القوات الشمالية البيضاء الذين لم يسعدوا كثيرا بالقرار فقد كان القرار يقضي بتشكيل فرق مستقلة للسود المجندين، ووضعوهم في مقدمة الجيوش الزاحفة نحو الجنوب وخصوصا في الهجوم على (فرجينيا) معقل الرئيس الكنفدرالي، ومقر العاصمة الجنوبية (رتشموند). وتشير كتب التاريخ الأمريكية أن عدد الجنود السود بلغ خلال أشهر معدودة أكثر من ٢٠٠ ألف جندي.
تقول الموسوعة الأمريكية في مجلد ٢٩ ص ٢٢٦ أنه في عام ١٨٥٠ كان عدد المالكين للعبيد (الأسياد) (٣٤٧٢٥٥)، من أصل ستة ملايين أبيض. نصف الملاك السابقين كانوا يملكون ٤ عبيد أو أقل، فيما بلغ عدد مالكي العبيد الكبار الذين يملكون أكثر من مئة عبد (١٨٠٠) مالك فقط. ويقول نفس المصدر أن العبيد الأحرار عام ١٨٦٠ بلغ (٢٥٠) ألف محرر، كانوا أحرارا شكليا، وكما وصفتهم (سوزن) في الرواية «عبيد بلا أسياد».
قرار الرئيس (لنكولن) الخاص بإلغاء العبودية كان ثورة تاريخية على العبودية لكنه لم يحرر العبيد فعليا كما يعتقد للوهلة الأولى من يقرأ تاريخ الولايات المتحدة، فقد ظلت آثار العبودية لأكثر من مئة سنة في الممارسة، والقوانين الفرعية، والحياة العامة، والتعليم إلخ، بعد قرار الرئيس لنكولن بإلغاء العبودية.
كان السود مثلا ممنوعين من دخول مطاعم البيض، وكانوا لا يستطيعون الجلوس في المقاعد الأولى من الحافلات وخصصت لهم مقاعد في المؤخرة، حتى المراحيض كانت قسمين واحدة للبيض والأخرى للملونين. كثير من الأماكن كانت تضع على مداخلها يافطات تقول: «ممنوع دخول السود، والكلاب». المدارس التي كان يتعلم فيها أبناء البيض كان محظورا على السود الالتحاق بها ولذلك افتتحت لهم مدارس خاصة بشروط صحية متدنية.
يمكن القول أن حرية العبيد في الولايات المتحدة لم يحصل عليها السود بقرار من الرئيس لنكولن بل عبر مئات السنين من الكفاح، والتضحية، والمقاومة.
في لقاء عبر الأثير استمعت عبر الأثير إلى الكاتب الأمريكي (جيمس لويوين) مؤلف كتاب (مدن غروب الشمس) [4] يشرح في لقاء خاص عن كتابه المذكور حيث قال إنه عندما بدأ في كتابة ذلك الكتاب كان يعتقد أنه سيكتب كتابا تاريخيا عن مرحلة تاريخية في الولايات المتحدة لكنه فوجئ أنه يوجد أكثر من خمسمئة مدينة وقرية في الولايات المتحدة مازالت تحتفظ بتلك القوانين العنصرية ولم تلغها رسميا من قوانينها حتى وإن لم تعد تطبقها رسميا.
فقد كانت مئات المدن والقرى والبلدات الأمريكية تضع في مداخلها ومخارجها (آرمات) كبيرة تشبه تلك التي تستخدم في الطرقات اليوم كإعلانات للشركات الكبيرة، مكتوب عليها ما يلي: «أيها الزنجي العبيد [5]، لا تترك الشمس تغيب عليك هنا» أي عليك أن تلزم بيتك، أو تخرج من المنطقة قبل غروب الشمس، وإلا تعرضت للعقاب، وكان فعلا يتعرض للعقاب كل من يصادف في تلك الأماكن بعد غروب الشمس، ومنهم من تعرض للقتل.
التاريخ | الاسم | مواقع النسيج | مشاركة |