كل المثقفين الفلسطينيين الحريصين على الحركة الثقافية الفلسطينية، ويهمهم أن تترجم هذه الحركة طاقات مبدعيها وروادها الأدباء والشعراء والمفكرين، إلى إنجازات ترفع من مستوى شعبنا الثقافي والفكري، يدرك تماما أن ما يقدمه جيل المبدعين اليوم لم يرتق إلى المستوى الذي يمكنه أن يراكم انتصاراته في الصراع الحضاري والثقافي الذي يفرضه أعداؤنا علينا موحدين عسكريا وفكريا وثقافيا وحضاريا، فيما نحن نتصارع فيما بيننا حتى لو كانت بعض أدبياتنا تقول عكس ذلك، ربما للاستهلاك الإعلامي.
بعض التقصيرات التي تعتري صفوف الحركة الثقافية الفلسطينية، رغم عظم التحدي تعود لتشتت الشعب الفلسطيني في شتى بقاع الأرض، وبعضها الآخر تعود لانعدام الامكانيات بسبب انعدام الحس الوطني العام في العمل الثقافي، وحرص المسؤولين أفرادا وجماعات على صرف الإمكانيات المالية على الحفلات والتنقلات، والاجتماعات التي غالبا ما تكون لطق الحنك وشرب الشاي. باحثين بشكل أساسي عن فضائيات يطلقون عبرها تصريحاتهم وبياناتهم، ومغدقين الألقاب على أنفسهم، يمينا ويسارا حتى لا تعرف من أين أتت.
من يدقق في مسيرة الحركة الثقافية الفلسطينية يرى أن أهم الكتب الدراسية والتوثيقية التي تعتبر المرجع الأساسي في التاريخ الفلسطيني كتبها كتابنا بجهود فردية أو بدعم من مؤسسات غير فلسطنينية، مثل كتب البروفيسور وليد الخالدي أو إدوارد سعيد، وغيرهم وكان دور الاتحاد العام للكتاب الفلسطينيين ثانويا رغم امكانياته الكبيرة في فترة من الفترات، وذلك لأن القائمين عليه وعلى بقاياه في الوقت الحاضر بما فيها الاتحادات والتجمعات التي أقيمت لاحقا حصرت نشاطها الأساسي في إصدار البيانات السياسية، بحيث حلت محل الأحزاب الوطنية، وقيمت ولا زالت أعضاءها وإبداعاتهم بموقفهم السياسي، بعيدا عن أي إبداع فكري، أو ثقافي، مما ترك آثارا سلبية في الساحة الثقافية لا زالت تعاني منه حتى اليوم.
لن نظلم أحدا لو قلنا أن الاتحادات أو التجمعات أو سمها ماشئت الفلسطينية القائمة تتمترس خلف مواقف حزبية، وتقيم أعضاءها على أساس سياسي وليس على اساس فكري وإبداعي، وتعطي أمانتها العامة أو لجانها المسؤولة نفسها الحق في إصدار البيانات باسم كل أعضائها كأنها مكتب سياسي لحزب وطني وليست وعاءاً ثقافيا وفكريا يتسع للجميع بغض النظر عن مواقفهم السياسية، والأدهى من كل ذلك أنهم كلهم يدعون أنهم يؤمنون بحرية الرأي ويمارسون الديمقراطية في صفوفهم، وعند الانتخابات يهرب الجميع مستعينين بأعضاء احتياط ليس لهم علاقة بالعمل الثقافي من أجل منصب، وكرسي لا ينفع ولا يفيد الحركة الثقافية لكنه بالتأكيد يفيد الأحزاب التي تمترس المثقفون في خدمتها والترويج لبرامجها السياسية.
مؤسسة الدراسات الفلسطينية التي مقرها في بيروت أصدرت مئات الكتب القيمة التي كان على الاتحاد أن يصدر أضعافها ويكون مؤسسة ثقافية فاعلة، تعمل على تطوير العمل الثقافي الفلسطيني ورفع مستوى مبدعينا وتجميع طاقاتهم وإعادة إنشاء مركز الأبحاث الفلسطيني الذي سرقته إسرائيل بعد اجتياحها بيروت عام 1982.
هل فعلا المسؤول عن ذلك اتجاه واحد فقط؟ وماذا فعل الاتجاه الآخر، أو الاتجاهات الأخرى؟ ما هو دورها جماعيا أو فرديا؟
هل تكفي البيانات والمقالات السياسية؟
يقينا أمام كل ذلك يحق لمبدعينا الكبار أمثال أنيس الصايغ أن يبتعدوا عن العمل الثقافي المنظم أو الموحد، لكن لماذا لم يتحركوا مع طليعة الكتاب الشباب المستقلين والذين لم ينغمس كلهم في العمل الحزبي الفئوي، لينهضوا من جديد بالعمل الثقافي بدل أن تترك الساحة فارغة من أية جهود حقيقية لعمل ثقافي جاد.
معظم كتابنا وأدبائنا الكبار للأسف الشديد، ولا أقول كلهم اختاروا الانزواء منتظرين المسيح المنتظر، وفي كل تحرك فكري وثقافي، فإن أول ما يسألونك، من سيكون معنا، فإن لم يسمعوا أسماء أصدقائهم الكبار اعتذروا، كأنهم نسوا أن الآباء دائما يعلمون الأبناء لا يهربون منهم ، ولا يسخرون من طاقاتهم.
معظم كتابنا الكبار وتلك حقيقة يبحثون الآن عن مناصب وألقاب، وليس لديهم لا الجهد ولا الرغبة في الأخذ بيد الشباب لتطوير عملنا الثقافي وجعل الشعب الفلسطيني نموذجا في الفكر والأدب والعلم، يمكن لأشقائنا العرب أن يستنيروا به.
نقول بعضهم وليس كلهم يقرفون من الكتاب الشباب، متوهمين أن تاريخهم القديم يعطيهم الحق أن يتعالوا على من كان واجب عليهم أن يعملوا معهم يدا بيد لما فيه خير شعبنا وأمتنا.
إن الكبار فينا يجب أن يكونوا كبارا بعطائهم وإنسانيتهم، وتواضعهم أمام جيل المبدعين الشباب الذين يتسابقون لمن يأخذ بأيديهم.
فلماذا ينام مئات بل آلاف المبدعين الفلسطينيين الحقيقيين ويهربون من العمل الجماعي، إن كان هروبا من جحيم الهيمنة الحزبية والسياسية فلماذا لا يشكلون اتحادا جديدا بعيدا عن الأحزاب والسياسيين وهيمنتهم.
لست هنا أقلل من دور كل كتابنا وأدبائنا ومفكرينا، لكني أقول أننا
بحاجة لاتحاد أدبي فكري ثقافي حقيقي يضم في صفوفه مبدعينا المنتشرين في شتى بقاع الأرض الأكاديميين، والباحثين، والمؤلفين والأدباء والشعراء المنزوين بعيدا في الظل.
التاريخ | الاسم | مواقع النسيج | مشاركة |