كان علي منذ اشترى جهاز الحاسوب الجديد (الكمبيوتر) وربطه بالشبكة الدولية (الإنترنت) نادراً ما يستخدمه ليتصفح به بعض المواقع الإخبارية التى أصبحت الفضائيات العربية تسد مسدها، حتى أن زوجته سناء كانت تقول له أحيانا:
– لا أدري لماذا اشتريت هذا الجهاز؟ فأنت لا تستفيد منه شيئاً.
لم تكن سناء زوجة علي تهتم بالكمبيوتر ولا بالإنترنت ولكنها أحياناً كانت تستخدمه للألعاب لتتسلى به حتى يعود زوجها من العمل.
هذه الحال لم تدم طويلا فسرعان ما بدأ علي يزداد اهتماما بالإنترنت، وصار يقضي الساعات الطوال منشغلا به، بل وصل به الأمر أن يترك زوجته وحدها حتى ساعات متأخرة من الليل بينما هو مشغول على الشبكة (النت) يراسل أصدقاءه ويحادثهم بواسطة آلة يضعها على رأسه «هدفون» لئلا يسمع صوت أصدقائه أحد وكان كلما سألته سناء لماذا تضع هذه السماعة على رأسك؟ يقول لها:
– حتى لا أزعجك يا حبيبتي بسخافات أصدقائي وكلامهم التافه أحياناً.
– ما دام تافها فلماذا تستمع له حتى منتصف الليل؟
– لأنى أفضل أن أتحدث معهم وأنا بجانبك، بدلا من السهر معهم فى المقاهي. على كل حال سأقلل من ذلك قريباً.
كانت سناء تضطر أخيرا للصمت حتى لا تزيد رقعة الخلاف بينها وبين زوجها علي الذى بدأت تتذمر منه ومن جلوسه الطويل أمام هذا الجهاز اللعين.
– لقد مللت الجلوس وحدي يا علي
– حبيتي، سأنهي ما أنا به قريبا وأكون معك، شاهدي مسلسل الليلة على قناة الدراما، إنه مسلسل شيق.
لم يكن مهما لدى سناء ماذا يفعل علي على النت بقدر ما كان يقلقها بقاؤها وحدها:
لم يعد علي يحاورها كما كان سابقاً، لم يعد يتحرش بها ، يعانقها يقبلها، حتى الأمور الأخرى أصبح نادراً ما يسأل عنها. لو كان الكمبيوتر امرأة لشكت بالأمر لكنه جهاز لا مشاعر ولا أحساسيس فيه.
كانت سناء تتساءل كل ليلة:
– ما الذي يشغل علياً عني كل هذه المدة؟
– هل الأخبار؟ لماذا لا يشاهدها على قناة الجزيرة؟
– هل قراءة الرسائل؟ لكن كم رسالة سيقرأ؟ هل عنده ألف صديق؟
– لا لا غير ممكن؟ أن يكون له صديقات.
– هذا زوجى وأنا أدرى به.
– لكن لماذا هذا الانشغال عني الذى وصل حد الإهمال؟
لابد أن أكتشف هذا العالم الغريب.
أصبحت سناء كل ليلة تجلس فى غرفة الكمبيوتر بجانب زوجها تقرأ ما يقرأه على النت لكنها لا تسمع ما يسمعه، وقد لاحظت أنها عندما كانت تدخل عليه يتوقف عن الحديث. ويبدأ بالتنقل من موقع إلى موقع ليوهمها أنه مشغول بالقراءة كأنه عالِم كبير.
لم يتوقع علي أن زوجته ستظل بجانبه كل الوقت، فبدأ يفكر بالتخلص منها من خلال إقناعها بأن مشاهدة الأفلام أفضل لها من الجلوس بجانبه. لكنها كانت تقول له دائماً:
- مشاهدتك يا حبيبي أفضل من كل شاشات العالم. أخرسته بكلامها فبدأ يفكر بطريقة أخرى:
- حبيبتي، هل لك أن تحضري فنجانين من القهوة لنشربها معا ونحن هنا.
- تأمر يا روحي، سأحضر لك أحلى فنجان قهوة.
- لا تنسي أن تضعي اصبعك فيه فأنا أحب القهوة حلوة. ابتسمت سناء وكأن عليا بكلامه المعسول أرضى غرورها. لكن بعد أن تأتي بالقهوة كان يعود ويسألها:
– هلا أحضرت كأساً من الماء.
وبعد قليل يقول لها:
– حبذا لو تحضرين لي ساندويتشا فأنا أشعر بالجوع. أفضل أن تقلي لي بيضا مع الجبن.
وعندما كانت تقول له:
- لكنك تعشيت يا علي.
كان يقول لها:
– عندما أراك تتفتح شهيتي للأكل.
فترد عليه:
– شكراً حبيبي، وهل رؤيتي تفتح شهيتك للأكل فقط؟
– نعم، تفتحين شهيتي لكل شيء.
– هذا يحتاج لبرهان يا علي.
أحس علي بلطمة، يبدو أنه نسي واجبه كزوج وتساءل فى نفسه
– هل أصبحت سناء تشك برجولتي؟!
هل أصبحت تعتقد أنني بارد جنسياً؟!.
لم يكن صعبا على سناء أن تعرف بعد عدة أيام أن زوجها لا يطلب القهوة والماء والعشاء.. إلخ إلا كلما جاءت تجلس بجانبه، وكأنه يتعمد إبعادها عنه ربما لأنه لا يريدها أن تعرف ما يفعله أو ما يقرأه أو ما يحدث به أصدقاءه، خصوصاً وأنه لم يكن يشرب شيئا، وأحياناً عندما كانت تذكره أن فنجان القهوة أصبح بارداً، كان يطلب غيره معتذراً لانشغاله، لكنه لم يكن يشرب حتى الفنجان الجديد إلا مجاملة أحياناً حتى لا يثير شكوكها.
بدأت سناء تفقد أعصابها، وبدأ الفأر يلعب فى عبها، وصارت تتساءل وهي وحيدة أمام شاشة التلفزيون:
– ما الذى يحدث مع علي؟ كلما جئت أجلس بجانبه يحاول إبعادي عنه بطلباته المتكررة وعندما أتركه وحده لا يطلب شيئاً.
هل أصبح يكرهني؟
هل يريدني أن أبتعد عنه؟
ألم أعد مثيرة له؟ لم يمض على زواجنا سوى عامين.. أم ترى يعاني من برود جنسي؟
لم أعد أشعر بحرارة اللقاء معه، يأتى أخر الليل وأنا نائمة لينام دون أن يحاول أن يضع يده علي. هل تراه يحب امرأة أخرى؟
بدأت الغيرة تدب فى نفس سناء من جهاز الحاسوب وقررت أن أفضل طريقة لتخليصها من هذه الوساوس، حل لغز هذا الحاسوب وتعلم كيفية استخدامه. فبدأت من خلال صديقات لها تتعلم كيفية استخدامه. وفك أسرار هذا الجهاز اللعين، ولم تكتف بذلك فقد التحقت بدورة خاصة باستخدام الإنترنت والبريد الإلكترونى وبرنامج الوندوز حتى تفوقت على علي الذى استغرب اقتحام زوجته لعالمه الخاص فعمل على تقسيم واجهة الكمبيوتر(desktop) إلى واجهتين وربط واجهته بكلمة مرور خاصة حتى لا تعبث بأسراره.
لم يكن صعبا على سناء بعد ذلك أن تكشف أن زوجها كان يقضي وقتا طويلا على الشبكة يحادث النساء ويغازلهن، بعضهن بكلام عاطفي وأخريات بأبشع الكلمات الجنسية المثيرة. اقتحمت بطريقتها ملفات له وقرأت بعضها وفوجئت بما لم تتوقعه ، لكنها لم تنفعل وحافظت على هدوئها وقررت ضبطه متلبساً.
ذات مساء قالت له:
– حبيبي ما دمت مشغولا الآن، أريد الذهاب للسوق لشراء بعض الحاجات، إذ ينقصنا الكثير من الخضار والفواكه، وسأمر فى طريقي عند شيريهان لأشرب معها فنجانا من القهوة.
لم يصدق علي ما سمعه، فقد كان يتمنى أن تخرج زوجته من البيت مهما كانت الأسباب. قال لها:
– افعلي ما ترينه حبيبتي، كان بودي أن أكون معك لكني مشغول الآن.
نهض علي ليقبل زوجته ويغلق الباب جيداً بعد خروجها قال لها وهي على أهبة الخروج:
– حبيبتي، اتصلي بي وأنت فى الطريق للبيت، فقد أحتاج لشيء ما لا أتذكره الآن لتشتريه من أحد المحلات القريبة.
– حسنا حبيبي، تأمر يا روحي.
غادرت سناء البيت إلى إحدى البقالات الكبيرة وحرصت أن تمضي هناك وقتا طويلا تنتقل من قسم إلى قسم ولم تترك ثلاجة أو فريزر إلا وفتحتها وفى الطريق للبيت بعد ساعتين اتصلت به لتسأله إن أراد شيئا فقال لها:
– شكراً سناء، أعتقد أنني لا أريد شيئا الآن سوى رؤيتك.
كان علي سعيداً بعد عودة زوجته، شاكراً زوجته على هذه الفكرة الرائعة فقد كان بحاجة لمشاركتها صحنا من الفاكهة كما قال ومشاهدة التلفزيون الذي انقطع عنه طويلا.
لم يكن علي يعرف أن تلك الليلة ستكون حاسمة فى حياته وأنه سوف يتمنى لو لم تكن.
مساء اليوم التالي من تلك الليلة التى تركته فيها زوجته وحده، حضر علي ليجد زوجته بانتظاره بملابسها الجميلة وكامل أناقتها كأنها فى حفلة زفاف وعندما فتحت له الباب قالت له:
– جئت بالوقت المناسب، العشاء بانتظارك
– كنت أتمنى مشاركتك العشاء وأنت بهذه الطلة، لكني للأسف لا أشعر بالجوع الآن.
- حسنا يمكنك الجلوس معي أريدك فى شيء هام.
– سناء أنا مشغول شوية، سأكون جاهزاً لك بعد ساعة من الآن.
دخل غرفة الكمبيوتر (الحاسوب) على الفور، ضغط على زر التشغيل وبعد دقيقة، ذهب إلى سناء وهي تتعشى وتستمتع للموسيقى الهادئة.
سألها بغضب:
– ماذا فعلت بجهاز الكمبيوتر؟
أجابته بهدوء:
– هل حصل شىء، واجهة الحاسوب الخاصة بي تعمل على ما يرام، لقد أرسلت رسالة منذ قليل لصديقتي أحلام.
– سناء، لا تغيري الموضوع، أقصد الواجهة الخاصة بي.
– ألم يكن لك كلمة مرور لا يعرفها أحد سواك؟
– سناء لا تزيدي غضبي.. ماذا فعلت بالحاسوب؟
– اسأل نفسك (قالتها بغضب) ثم أكملت
– يا غشاش ، يا خاين
– ما الذى أسمعه، هل فقدت عقلك يا سناء؟
قالت له وهي تمصمص شفيتها مقلدة بعض ما كان يقوله لإحدى النساء.
– أنت ملاكي الذى لا أستطيع العيش بدونه. آه لو أضع رأسي بين نهديك وأخسر نصف عمري.
أحس علي بورطة بعد أن سمع ما تقول، لقد أدرك أن زوجته اقتحمت ملفاته وقرأت ما بها.
أراد أن يعيد التوازن لنفسه.
– ماذا بعد قرأت في رسائلي؟!
– هل تريد أن تعرف؟
فجأة هبت من مكانها وأحضرت مسجلا صغيراً كان معدا وفيه الشريط الذى سجلت عليه كامل حديثه مع عشيقته دون أن يدري فى تلك الليلة التى غادرت البيت للتسوق.
ضغطت سناء على زر التشغيل بدأ صوت على واضحا من المسجل يخاطب عشيقته.
– ما هذه الطلة الحلوة يا نبيلة؟
– طلتك أحلى يا علعل (تدلع به عليا)
– الصورة غير واضحة يا روحى، ابتعدي قليلا، الآن أوضح، أوه ما هذا الصدر الجميل؟
– كأنك لم تره من قبل.
– كلما أراه أزداد انتعاشا، آه لو أضع رأسي بين نهديك وأخسر نصف عمري.
– يا كذاب (قالت له عشيقته)
– والله العظيم، وحياة حبنا..
لم يحتمل علي، ثارت ثائرته فأوقف المسجل، كان كالمسطول، لا يعرف ما يقول، أو كأنه يبحث عن إجابة يبرر فيها جريمته. لم يكن يتوقع أن زوجته ستكون بهذا الذكاء لتسجل حديثه مع عشيقته عبر الماسنجر. هذا آخر ما توقعه.
أخرج علي الشريط من المسجل وكسره ثم قطع الشريط وألقى به فى الزبالة. قالت له بهدوء:
– هل أخفيت جريمتك بكسر الشريط؟ هل ستنكر خيانتك بتكسير الشريط؟ لا تقلق عندي نسخة أخرى، كنت أتوقع أن تعاقب نفسك على خيانتك. أنسيت الأيمان التى كنت تحلفها لي بأنك تحبني، وإنني الحب الوحيد فى حياتك؟ لماذا تزوجتني ما دامت الخيانة تسري فى عروقك؟
– سناء هذا يكفي، أنا لم أخنك.
– كل هذا ولم تخني، أنسيت ما تطلبه منها بأن تخلع قميصها لترى..
– سناء والله العظيم لم أخنك..كل ما سمعته لم يتجاوز هذا الجهاز.
– كيف لي أن أصدقك؟ بعد أن أخفيت عني نزواتك حتى اكتشفتها أنا؟ كيف لي أن أصدق أن المرأة التى توافق أن تخلع لك ملابسها أمام كاميرا الحاسوب، لم تمارس الجنس معك؟
– والله العظيم لم يحصل أي شىء مما تقولين عنه.
– لنفترض أنك صادق في ذلك ، فهل هذا ينفي الجريمة عنك؟.
– أية جريمة؟
– جريمة الخيانة.
– لم أخنك يا سناء.. نزوة رجل عابرة.
– صدقيني لم ألتق مع هذه المرأة ولا أعرف سوى اسمها الذي قالته لي ولا أدري في أي بلد تعيش.
قالت له بعد أن استجمعت ثقتها بنفسها:
لا فرق يا علي إن التقيت بها أو لم تلتق فقد مارست الخيانة الزوجية، فالخيانة ليست جنسية بحتة يا علي.
ثم نظرت إليه نظرة آمر وقالت:
الخيانة تبدأ من هنا وأشارت بأصبعها إلى رأسه، الخيانة تبدأ فكرية من العقل.
فعندما تشتهي امرأة أخرى وتفكر بها وتعطيها مساحة واسعة من تفكيرك واهتمامك فأنت مارست الخيانة كاملة وما بقي بعد ذلك مجرد رتوش على هامش الخيانة.
أطرق علي رأسه، بعد أن أذهله جوابها تمنى لو انشقت الأرض وبلعته، لم يدر ماذا يقول أو ماذا يفعل.
هل يلعن جهاز الحاسوب؟ أم يلعن النساء أم يلعن من علم زوجته كيفية استخدام الحاسوب أم يلعن نفسه؟ ما الذى يفعله بنفسه؟ يضيع الوقت فى حوارات مع نساء خائنات مثله، وزوجته الجميلة على بعد أمتار منه؟
هل يحطم جهاز الحاسوب؟ أم يحطم شهواته وأنانيته.
نظر إليها بعد فترة من الصمت وقال:
– سناء أعتذر لك عن كل ما حصل. أنا مذنب، ارتكبت جريمة. يبدو أنني كنت أبحث عن باقة ورد في حديقة الجيران ناسيا أننى أعيش وسط بستان من الزهور والياسمين. حبيتبي، هل بقى بقلبك بعض الحب لي؟
لنفتح صفحة جديدة من المحبة.
مد يديه لها ، بكت بمرارة وقالت:
– لقد حطمت كل حب في قلبي، لكنه لا زال يقاوم.
لحظة صمت من الطرفين.
وقف علي وتقدم نحوها، جلس بجانبها ضمها لصدره بحرارة، طوقها بيديه بقوة ألقت برأسها على صدره وهى تبكي بغزارة، قال لها:
– حبيبتي إن كانت الخيانة تبدأ من هنا، وأشار إلى رأسه، فإن الحب والوفاء يبدأ من هنا وأشار إلى رأسها.
التاريخ | الاسم | مواقع النسيج | مشاركة |