كيف يموت الحب؟
الثلاثاء ٢٨ شباط (فبراير) ٢٠٠٦
بقلم عادل سالم

لم أتوقع أن تصل الأمور بيننا إلى حد الطلاق يوما ما. فعندما تزوجتها قبل 13 سنة تصورت أن يكون زواجنا نموذجيا، فقد ربط بيننا حب عارم وتفاهم منقطع النظير ، كانت سندي موظفة في الجامعة وخريجة قسم الكمبيوتر ، واسعة الثقافة وفوق كل ذلك جميلة، طويلة القوام، رشيقة تحافظ على صحتها كأنها عارضة أزياء، عيونها خضراء ساحرة، وشعرها الذهبي كأنه انعكاس لأشعة الشمس على لوح ذهبي، أو كأنه حزم من انعكاسات الضوء فوق أحجار الماس.

كان أصدقائي يحسدونني على هذا الزواج لكنهم تنبأوا لي بفشله لخبرتهم في هذا المجال. وكنت أستهزأ منهم وأصارح سندي بما يقولونه عنا فنضحك معا ونشرب نخب حبنا.

كان حبا رائعا ، ذا رائحة جميلة كرائحة الورود الملونة، لكني لم أعرف أن تلك الورود في شمال الولايات المتحدة تموت عندما تنزل درجات الحرارة ما دون الصفر، وأن عودة درجة الحرارة للارتفاع لن يعيد لتلك الورود حياتها بل على صاحبها أن يقتلعها من جذورها ويزرع بدلا منها وروداً جديدة.
فما الذي جرى لحبنا كي تموت جذوره وتصبح عودة الحياة إليه مستحيلة مهما أشرقت الشمس عليه ومهما سقيته . يبدو أنني تركته يتعرض للبرد الشديد ولم أحطه بالدفء الذي تعودت أن أحيطه به.

موت الحب وموت الورود لا حل له إلا بخلعه من جذوره ؟ ألم يكن بإمكاننا الحفاظ عليه ؟ ألم يكن بمقدورنا أن نبني بيتا له يحميه من برودة الطقس أم إنني كما قال صديق لي عشت في المنطقة الباردة، المنطقة التي لا تلائمني ولا تلائم حبنا.

لم أتزوجها لمصلحة شخصية ، فلم أكن بحاجة لكرت الإقامة كما يفعل الطلاب الأجانب عادة ، فأنا أحمل الجنسية الأمريكية وخريج جامعة قسم التحليل الاعلامي وأعمل مثلها براتب محترم في شركة كبيرة.

لم يكن كلانا متدينا أو متشدداً في دينه فأنا مسلم وهي مسيحية لكننا لم نقم أية طقوس دينية، فلا نصلي ولا نصوم ولا نقرأ القرآن ولا الإنجيل ، ولكن كنا نشارك أصدقاءنا وأقاربنا الأعياد والمناسبات .

كنا نعتبر أنفسنا متنورين ، متحررين، نحكم العقل في كل شيء لذلك نشأت بيننا علاقة قوية، علاقة صداقة إضافة للحب كثيرا ما كنا نسهر مع أقاربها وأصدقائها الأمريكيين وزوجاتهم وكنت حريصا أن أندمج مع هذه المجموعة من الناس باعتباري أعيش بينهم وأعتبر نفسي أمريكيا من أصل عربي.

أعترف لكم أننا كنا فى جلساتنا نشرب الخمور، ونتسامر في أمور الرياضة وبرامج التلفزيون التافهة لكن عند الحديث عن السياسة أو عن أمور العالم كنت أدهش من الجهل المطبق لهؤلاء الناس وعدم معرفتهم بشيء خارج حدود بلادهم، إلا القليل منهم. أحيانا كنا نرقص على أنغام الديسكو أو الرقص الهاديء في أماكن السهر واللهو. نعم تضايقت فى البداية عندما كانت زوجتي ترقص مع صديق لها في العمل لكني بعد فترة تعودت على ذلك فأنا نفسي أرقص مع زوجاتهم على سبيل المجاملة وليس لإقامة علاقات جنسية، وكان يمكن أن يكون الأمر طبيعيا لكن ليس دائما فعندما ترقص مع إحداهن ويكون نصف صدرها بارزاً أمامك ورائحة عطورها تسكرك أو تضيف لسكرك الأول من الخمر سكرا جديداً فأنت تحاول أن تتمالك نفسك ولكن شهيتك لها تصبح جزءاً من تفكيرك وتسيطر عليك.. فهل أنا وحيد بهذا الشعور ؟

لهذا بدأت أغار على زوجتي ولم تعد سهراتهم تعجبني، كانت روتينية وكان أصدقائي العرب يحسدوني عليها. قلت لها ذات مرة
 سندي علينا التوقف عن هذه السهرات. لكنها فوجئت بقراري وقالت ماذا دهاك؟ فأخبرتها ما يعتريني من هواجس ضحكت وسألت أتغار علي؟.
 نعم أجبتها ، ضمتني لصدرها ، وقالت
 أحبك وأعاهدك ألا أرقص بعد اليوم مع أحد سواك.
قبلت العرض وسارت الامور على حالها.

كثيرون أولئك الأزواج الذين تعترض طريقهم الصعاب، فيؤدي ذلك لانقسام الشراكة فالدراسات الأمريكية تشير أن 75% من المتزوجين فى الولايات المتحدة تنتهي حياتهم الزوجية بالمحاكم للطلاق . لكن السؤال الذي ظل يراودني بعد حياة استمرت 13 سنة وانتهت إلى الطلاق: هل يمكن أن نعتبرها تجربة؟ هل هي مجرد ذكرى؟ هل فعلا ينظر مثلي إلى حبه السابق بأنه حب حقيقي؟ أم إنني أتمنى لو لم يصادفني ذلك الحب قط؟.

كم فتاة عرف الرجل في حياته فاحتفظ بذكريات جميلة معها حتى لو كانت همسة أو إشارة أو غمزة عين حتى لو كانت عفوا ؟ هكذا هو الإنسان ، عند الطلاق تسود الدنيا وتبدأ الصراعات فى المحاكم وتتحول صفحات الحب القديمة إلى صفحات سوداء، كأن حبراً أسود انسكب عليها فمحا حروفها أو تحولت حروفها مع صفحاتها إلى لون أسود لا ترى منه أية بشائر بيضاء.

كلما تذكرت تلك التجربة فأنا لا أتذكر أولها بل نهايتها كأنني أفتح صفحة الكتاب الأولى ثم أنتقل فجأة للأخيرة ولم أعد أتصفح ما بينهما.

عندما رزقنا بطفلنا الأول اختلفنا على تسميته ولم نتفق في النهاية إلا على اسم واحد هو رامي، تنادته رام، وأناديه رامي.
أما ابنتي التي رزقنا بها بعد عامين فقد فرضت رأيي عليها وسميتها سناء فوافقت لأنها كانت تدلعها سان( San) .

رحم الله أمي فقد أهدتني عندما رزقت برامي لوحة من الصدف وعليها آية الكرسي مزخرفة بشكل جميل فعلقتها على الحائط فى البيت فسألتني سندي عما تحمله اللوحة فشرحت لها، لم تغضب بل ابتسمت وقالت جميل جداً لكن بعد عدة ايام رأيت بجانب اللوحة صورة للسيدة مريم وابنها المسيح (عيسى عليه السلام).
  سألتها لم هذه الصورة؟
  لتضيف للوحة الأخرى بهاء.
 لماذا اشتريت الصورة الآن؟.
 لم أنتبه لذلك في الماضي.
هززت رأسي ولم أعلق لكني شعرت أن سندي لم تكن موفقة فى ردها.
أما حين جاءتني سناء فقد علقت على كتفها خرزة زرقاء قالت أمي بأنها تطرد الشياطين ومع أنني لا أقتنع بتلك الخرافات فقد قبلتها وشكرت أمي وعندما عرفت سندي اشترت صليباً صغيراً وعلقته على الكتف الآخر لسناء . كنت حائراً لماذا أصبحت سندي تلاحق هذه الأمور الصغيرة فكانت ترد وتقول بأنني أنا من يفتعلها ، لكنني كنت أحاول أن أوضح لها أن ما تتحدث عنه كان هدايا من أمي بالمناسبة ولم يكن محاولة مني لفتح صفحة من الصراعات الدينية، فكانت تقول لي:
 لنضرب مثلا معا فى التسامح الديني
صمتت ثم أضافت
 ما المانع أن تعلق الصليب بجانب الخرزة الزرقاء؟
فصليبها يحث المسيح لرعاية البنت والخرزة الزرقاء تطرد الشياطين.

محاولات الجذب بدأت بعد أن أصبح ابننا الأول عمره 3 سنوات، فقد كانت تشتري له هدية بعيد الميلاد وتحتفل معه بها، فكنت أحتج بأن الطفل صغير على هذه الاحتفالات وأنها بذلك تحاول أن تجعله مسيحيا فأنكرت ذلك وقالت لي.
 أحمد حبيبي لماذا أنت حساس أكثر من اللازم ، عندما تزوجنا كنا متفقين أن الدين لله ورغم أنني مسيحية وأنت مسلم فلم نقحم الدين بيننا ، كنا متفقين على أن نعلم أولادنا التسامح وهم أحرار فى اختيار ما يرونه مناسباً.
قلت لها
 لكنك تحاولين كسب الأطفال للمسيحية من الآن.
 لا أحد يمنعك من الاحتفال بعيدكم وسأشارككم الاحتفال .
وافقت على ذلك العرض رغم عدم قناعتي به.

اتسعت خلافاتنا حتى أصبحت تشحن الجو بالعداء أحيانا وكلما كبر الأولاد كبرت خلافاتنا فكل واحد منا يريد أن يربي أولاده كما يرى أنه الأفضل . لم أكن أتصور أننا مختلفان إلى هذا الحد، بل دهشت للخلافات العميقة بيننا، وفي نظرتنا للأمور كنت أتهمها بأنها تحاول في تربيتها إفساد الأولاد أما هي فكانت تقول إنني رجل متخلف لا زلت أسيراً للماضي الذي جئت منه.

صرخت بي ذات مرة..
 كيف تطالبني أن أمنع سان (سناء) من ليس الشورت ولم تكن تطلب مني ذلك.
  حبيبتى ، أنا أعترض أن تلبس ابنتي هذا الشورت القصير وأرى أنه يجعلها عرضة لملاحقة الشباب .
  أوكي ،لم لا، دعها تفتنهم بجمالها. أحمد نحن هنا في أمريكا ، كل البنات يلبسن الشورت أتريد أن تعقد البنت ؟

بقيت الأمور بدون حل ولم أكن أملك سوى إقناع سناء بعدم لبس الشورت فاستجابت لي مكرهة.
لم يتوقف الأمر عند الشورت، بل تعداه لأمور عديدة كانت تتصاعد يومياً.
البرود دب فى حياتنا، بدأت عمدا لا أشاركها سهراتها خارج البيت، وفيما بعد أعلنت امعتاضي من سهراتها وطلبت منها الإقلاع عن السهر فى البارات والمراقص . ثارت ثائرتها وقالت:
 أحمد لم أعرف أنني متزوجة من رجل من طالبان (نسبة لحركة طالبان الإسلامية الأفغانية).
قلت لها بنفس الأسلوب
 لو كنت من طالبان لم أتزوجك أصلا
 هل أنت نادم على الزواج مني ؟
 لا يا حبيبتي ولكنك تذهبين بعيداً في تفسيرك لما أفعله تجاة الأولاد. حاولي أن تفهميني.
أنا زوجك ولي عليك بعض الحقوق.
 تذكر أنا لست خادمة عندك.
 وتذكري أنهما أولادنا وليس أولادك وحدك.
 أعرف ذلك ولكن لا تمنعني من تعليمهم ما أراه لمصلحتهم.

كلما كبر الأولاد كانت خلافاتنا تتفاقم، ولم أعد أعرف هل تفجر الصراع بسبب الأولاد أم كان صراعا على وشك الانفجار ويبحث عن مبررات؟.

كنت أتساءل دائما ، لو بقينا بدون أولاد هل كانت حياتنا ستظل كما لو كانت يملؤها الحب والتفاهم ؟ هل فعلا كنا متفاهمين أم كنا نتوهم ذلك لأننا كنا شبابا نهرب من أسباب الخلاف ونشغل أنفسنا باللهو والرقص والمشروب؟ ولماذا تفجرت خلافاتنا ؟ هل أنا السبب ؟ هل سندي هى السبب؟ هل التكوين الثقافي لكل منا هو السبب ؟ ترى لو كانت سندي هذه امرأة سودانية مثلا أو جزائرية هل كانت ستكون كما هي الآن؟.
ما المقصود إذن بحوار الثقافات والحضارات؟. كيف للثقافات أن تندمج ؟ لابد لواحدة أن تسيطر على الأخرى ولنقل تسود عليها فتصبح ثقافة للاثنين معا، حينها قد تختفي الفوارق . ألا يمكن لنا التقدم إلى منتصف الطريق ؟ هذه الأسئلة وغيرها كثير كانت دائما تدور فى ذهني ولم أجد جوابا عن أي منها.

عندما اقتربت ابنتي من العاشرة بدأت أعلمها أن لا تدعو الأولاد للبيت وأن لا ترتبط مثل الآخريات بما يسمى بـ البوى فريند .
وعندما علمت سندي ثارت وقالت لي:
 لقد أقلقتني يا أحمد، أنت تتعامل معي بوجهين ، فقبل أن نتزوج كنت صديقي حتى تزوجنا ، وسهرنا كثيرا وعملنا ما عملناه قبل الزواج فلماذا الآن تطلب من سان أن لا يكون لها صديق؟.
لماذا لا تعلمها كيف تختار صديقها، لماذا لا تتعرف عليه وترشدها إن كان مناسبا أم لا؟.
 سندي ابنتي لا زالت صغيرة والأولاد يقومون بأعمال جنونية فى سن البلوغ ، أشاهد كثيرا وأسمع عن بنات يحملن في سن 11 سنة ، فهل تريدين لسناء أن تقع في الخطيئة .
 علمها أن أن تقي نفسها ولا ترجع لنا حامل.
 وماذا لو مارست الجنس ولم تحمل ، هل يصبح الأمر مباحا؟
 أحمد كل الأطفال المراهقين يقومون بذلك.
 ليس مع ابنتي.

لم تقف خلافاتنا عند هذا الحد ، فكل شيء أصبح مثار خلاف إذا شاهدنا شاشة التلفزيون قلت لها
 ما لنا ولبرامج الـTalk Show التي لا حديث لها إلا عن الجنس، هذا ولد يضاجع أمه وهذه أم تمارس الجنس مع ولد صغير كانت مربيته وهذه مدرسة تضاجع طالبها .. أليس لديك برامج أفضل للأولاد؟..
 أحمد، هذه البرامج تتحدث عن مشاكل موجودة فى المجتمع دع الأطفال يحضروها ليروا بأم أعينهم الصح والخطأ .
 وكيف سيتعلمون الصح وهم يرون الكل يصفق لهؤلاء الكلاب؟.

لم أعد أشعر بالراحة في البيت، فى إحدى المرات لفت انتباهها .
 حبيبتي أولادنا كبروا فلماذا لا تحتشمين أمامهما بلباسك فأنت شبه عارية وعندما تميلين برأسك لالتقاط شيء عن الأرض يظهر كلسونك من الخلف وصدرك من الأمام
قالت وقد زمت شفتيها..
 أنا في البيت وليس فى الشارع.
 أعرف ذلك ولكن هؤلاء أولاد لهم مشاعر وغرائز.
 حبيبي، سام ابني وسناء ابنتي.
 شكرا لك وهل كنت أجهل ذلك، لكن هناك أولاد كثيرون اغتصبوا أمهاتهم أو..

أوشكت النهاية على الاقتراب . شعرت أن الأرض تهتز من تحت أساسات الحب الذي بنيناه قبل 13 سنة، وأن الأساسات كانت واهية فلم تصمد أمام عاصفة الحب الأولى التي كانت عنيفة كعاصفة كاترينا أو ريتا.

بدأت أشعر بالفارق الشاسع بيننا، ذلك الفارق الذي لم أكن أميزه قبل 13 سنة، إما لأنني لم أدقق به جيداً وإما لأنني تجاهلته تماما كالإنسان الذي ينسى أنه يمشي على الأرض لأنه دائم التطلع للسماء.

كثيرا ما أتساءل ما هو الحب؟ هل يرتبط بزمن معين كنظرية أنشتاين في الأبعاد الثلاثة أم أنه مثل أي شيء يتغير إما للأحسن وإما للأسوأ؟.

قصتنا دخلت إلى المحكمة وأمام القاضي وضع ملف كبير بآلاف الوثائق من الطرفين لحضانة الأطفال. كل منا يتهم الآخر بأنه يريد إفساد الأطفال لم تطالب سندي بأية نفقة أو أموال فهى تعمل براتب جيد، كل ما طلبته هو حضانة الأطفال ولإنها الأم فقد كسبت القضية ولم يكن باستطاعتي أن أثبت أنها غير مؤهلة لحضانتهم، لم يعد بإمكاني أن أراهم كل صباح ، فقد أمر القاضي أن أراهم مرة واحدة أسبوعيا وليوم واحد فقط ، فهل سيكون تأثيري فيهم بالحجم الذى أريده؟ وماذا أقول لهم عندما أراهم؟.

هل سأضيع وقتهم القصير بالمحاضرات والأوامر فيملون مني أم أحاول خلال تلك الساعات أن أمنحهم بعض الحب؟ وأتناول وجبة الغذاء معهم، أستمع لمشاكلهم وألعب معهم؟ هل سأنجح في استردادهم ثقافيا بعد أن فشلت فى حضانتهم؟

التوقيعات: 0
التاريخ الاسم مواقع النسيج مشاركة