تجمعات الكتاب الشبكية
خطوة إلى الأمام أم عشر خطوات إلى الخلف؟
السبت ٢٣ شباط (فبراير) ٢٠٠٨
بقلم عادل سالم

في السنوات الأخيرة نشط الكثير من الكتاب في تشكيل تجمعات لهم عبر الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) بأسماء مختلفة (اتحاد، تجمع، منتدى، جمعية... إلخ)، لعل أبرز ما كان يميزها أنها جاءت احتجاجا على الاتحادات القائمة في الدول العربية، حيث ادعى المؤسسون للتجمعات الشبكية الجديدة أنها جاءت بسبب هيمنة العناصر البيروقراطية على الاتحادات القائمة، ولأنها لم تقدم شيئا في مسيرة الحركة الثقافية في بلدانها، وبقيت عاجزة حسب ادعاءاتهم عن مواكبة عصر التكنولوجيا، والتقدم. وقد استقبل معظم المهتمين بالحركة الثقافية العربية إنشاء تلك التجمعات بفرح كبير آملين أن تستطيع سد الفراغ الكبير الذي خلفته الاتحادات القائمة.

وفي غضون عدة سنوات تشكلت العديد من التجمعات الجديدة، وأنشأت مواقع لها على الشبكة، ومعظمها تجمعات شبكية لا يجمع بينها سوى الشبكة العنكبوتية، وتبادل الرسائل اليومية، وتبشيرها لنا بزوال عصر الورق وبالتالي زوال الاتحادات القائمة لأن المؤسسين الجدد للتجمعات الجديدة اعتقدوا أن الاتحادات الأدبية القائمة تعتمد على النشر الورقي، الذي يسير في طريقه إلى الزوال، وبالتالي زوال تلك الاتحادات، في حين إن المستقبل لهم لأنهم ينشرون نصوصهم الإبداعية عبر الشبكة العنكبوتية، وكأن زوال عصر الورق يعني زوال الكتاب الذين كانوا ينشرون كتبهم ورقيا.

اليوم وبعد عدة سنوات على تشكيل تلك التجمعات الشبكية ماذا نرى؟
لا يحتاج الكاتب الملم بأصول اللغة إلى جهد كبير ليكتشف من أسماء أعضاء تلك التجمعات الجديدة، ونوعية الكتابات التي ينشرونها والتعابير التي يستخدمونها في نصوصهم ليكتشف ما يلي:

  معظم الأعضاء في هذه المجموعات، ولا أقول كلهم ليس لهم علاقة لا بالأدب ولا بالثقافة. وهم إما كتاب فشلوا في الحصول على عضوية تلك الاتحادات، أو عضوية هيئاتها الإدارية.
  لغة هؤلاء الكتاب ضحلة جدا، ولا أعرف بماذا يمتازون عن أعضاء الاتحادات الوطنية (نسبة إلى الوطن الواحد، مثل اتحاد الكتاب المصريين، أو اتحاد الكتاب الأردنيين إلخ).
  معظم هؤلاء الكتاب لا يجيدون حتى استغلال الشبكة العنكبوتية، ومعلوماتهم في الأمور الصغيرة الثانوية في المراسلة واستخدام الرسائل وأرشفتها ضعيفة جدا، رغم أنهم يبشرون بعصر اللاورق، وينعون الصحافة الورقية. نعيهم هذا لا ينبع من دراية بطيعة التطورات التكنولوجية الحديثة، ولكنها شماتة لا أكثر بالكتاب من الجيل السابق الذين يرون فيهم سدا أمام مشاركتهم بفعالية أكثر في الحركة الثقافية، غير مدركين أن النشر في مواقع شبكية لا يحتاج إلى خبرة تكنولوجية فكل كاتب من كتاب الجيل السابق يمكنه أن يعهد بنصوصه لمن تطبعها وترسلها للنشر في بعض المواقع الأدبية.
  المسؤولون المشرفون على مواقع تلك التجمعات معظمهم، ولا أقول كلهم لا يبذلون جهودا في توجيه أعضائهم وتطوير لغتهم. لقد تعرفت على الكثير من القراء الذين يعرفون أنفسهم بأنهم أعضاء في الاتحاد الفلاني أو التجمع العلاني، مع أن كتاباتهم لا تستحق حتى عضوية مؤازرة في أي تجمع أدبي، ولعل الشعر أبرز ما تعرض للمسخ على أيدي الكثير من الشبان الجدد، لأنه كما وصفه صديقي الأديب التونسي كمال الرياحي مثل الحمار القصير، كل شخص يريد أن يعتلي ظهره، فكل من كتب عدة جمل ورتبها تحت بعضها كلمة هنا، وكلمتان هناك لقب نفسه شاعرا، ولم لا ما دام يجد تجمعات تضمه إلى صفوفها وتبارك له لقبه الجديد.
  لقد أصبح الهدف الاساسي لمعظم كتاب الشبكة الشباب نشر أكبر عدد من مقالاتهم، (قصة، شعر، خاطرة...إلخ)، أية مقالات، في أكبر عدد ممكن من المواقع، دون تنقيحها، وكأن كثرة النصوص هي التي تجعل من صاحبها كاتبا، أو أديبا، أو شاعرا، وليس جودة النص.
  المسؤولون على تلك التجمعات الجديدة متمسكون في مراكزهم ولا يمارسون العمل الديمقراطي حسب وعودهم، هذا ما أقرأه في رسائلهم، وحواراتهم. فبماذا يختلفون عن الاتحادات القائمة؟! بعضهم حسب معرفتي رفض إجراء الانتخابات في موعدها بحجة أن الوقت غير مناسب!!!! وأنه يخشى أن يسيطر على تجمعه أشخاص ليسوا ذوي كفاءة!!! أليس هذا ما يدعيه كل حكامنا العرب، أن الوقت غير مناسب للتنحي عن الحكم؟!
  كل تجمع همه ضم أكبر عدد ممكن من الناس قراء، وأصدقاء تحت اسم كتاب، حتى أن بعض التجمعات تأسست على أساس أنها تجمعات مهنية لكنها أصبحت تضم ما هب ودب، ومن لا علاقة لهم باسم ذلك التجمع، ولا أدري أين المهنية في عملها.

الآن وبعد أن هدأت تلك الزوبعة ورأى الجميع أين نحن، على الجميع أن يتساءل: وماذا بعد؟ هل فعلا حققت تلك التجمعات الشبابية الشبكية ما عجزت عن تحقيقه الاتحادات القائمة؟ أم أن الجهود تشتت وتناثرت؟!
وكيف يمكن لتجمعات تضم كتابا لا يجيدون اللغة العربية أن تكون أحرص على الأدب، والفكر، والثقافة من اتحادات قائمة رغم بيروقراطيتها إلا أنها تضم خيرة الأدباء والمفكرين الذين نهلنا من إبداعاتهم صغارا وكبارا؟

متى علينا أن نتعلم أن الشبكة العنكبوتية وسيلة اتصال وتبادل، فهي أي الشبكة لا تخلق الكتاب ولا إبداعاتهم، ولكنها وسيلة لنشر تلك الإبداعات بواسطتها، والذي يبدع هي تلك العقول النيرة من أبنائنا التي إضافة إلى مواهبها تواظب على القراءة، والدراسة، وتستفيد من خبرات الآخرين، وتحسن باستمرار لغتها ومفرداتها، وتأتي بما هو جديد. متى نتعلم أن الإبداع الثقافي، الأدبي، والفكري، ليس بالالقاب، ومقالات المديح، ونشر مقال هنا وآخر هناك.

التوقيعات: 0
التاريخ الاسم مواقع النسيج مشاركة