أيام المدرسة
الاثنين ١٩ نيسان (أبريل) ٢٠١٠
بقلم عادل سالم

لعلها أسوأ الأيام لدى بعض الناس، لكنها بالتأكيد أفضل مراحل حياة الإنسان، وأكثرها أهمية لأنها تشكل الأساس المتين الذي يبني الإنسان عليه حاضره ومستقبله.

بخلاف بعض الطلاب الذين كانوا دائمي التذمر من المدرسة يعدون الدقائق لانتهاء الدوام المدرسي، فقد كنت أتمنى أن تطول وأستيقظ مبكرا للذهاب إليها، والالتقاء هناك بالأصدقاء لاستعادة ما درسناه معا في اليوم الذي سبق، واللعب، أو التباحث معا في كل شؤون العلم، والحياة، والسياسة، والحب.

فكل منا كان يبث شكواه لمن يثق بهم كأصدقاء، ويكشف عن أسراره العاطفية وحبه لمن كان يراها فتاة أحلامه التي يذوب عشقا كلما رآها تسير في الشارع، متمنيا لو يحظى ولو ببسمة منها أو غمزة عين.

أيام المدرسة كانت بحق المرحلة الأهم والأبرز في حياتي كلها، لأنها شكلت رغم صعوبتها وآلامها بداية وعيي الثقافي والمعرفي والسياسي، وفتحت لي آفاق المعرفة والأدب وأنارت لي طريق العلم فاخترت السير بها عن قناعة وإيمان عميقين.

في المدرسة في القدس الباسلة تعرفت على أصدقاء الطفولة الذين فرقتهم الأيام والسنون في بلدان الله الواسعة كحال أبناء شعبنا الفلسطيني المشتت، ولكنهم ظلوا إلى الآن يعيشون في المقدمة من الذاكرة بل في الجزء الأبرز منها.

أحببتهم وأحبوني، تعلمنا من بعضنا بعضا فصرنا جزء من مرحله هامة يستحيل الحديث عنها دون منحهم حقهم الطبيعي كأصدقاء أثروا حياتي وتركوا بصماتهم فيها.

لم تكن أيام المدرسة مجرد لوحة وأستاذ وطبشورة، وكتاب، بل كانت عالما بحاله، له كل مقوماته، جيلا كاملا، بل هو الأساس المتين لكل ما بنيته فيما بعد، ولو سألتني عن أبرز أمنية لي لقلت لك أن تعود بي الأيام إلى تلك المرحلة. وإذا كانت أم كلثوم تقول في إحدى أغنياتها: (خذ من عمري، عمري كله إلا ثواني أشوفك فيها)، فإنني أقول خذ نصف عمري الذي تبقى وأعدني لذلك الجيل وتلك الأيام.

تنقلت في تلك المرحلة في ٣ مدارس فقط، المدرسة العمرية الابتدائية من الأول حتى الصف الخامس، ومع بداية السادس انتقلت إلى مدرسة دار الأيتام الإسلامية حتى الصف التاسع ثم تابعت الدراسة في الكلية الإبراهيمية حتى السنة الأخيرة.

المدرستان العمرية ودار الأيتام كانتا في البلدة القديمة من القدس، والأخيرة كانت خارج البلدة القديمة في شارع صلاح الدين بالقدس ولها بوابة ثانية وهي بوابتها الرئيسية تطل على شارع الزهراء، (في وقت لاحق، بعد تخرجنا انتقلت لبنايتها الجديدة في جبل الزيتون).

[(

أبرز أحداث تلك المرحلة التي كانت تعد مفصلا هاما في حياتي:

)]

بعد احتلال إسرائيل للقدس عام ١٩٦٧ تعطلت الدراسة لفترة، ورفض المعلمون العودة للتدريس فقامت إسرائيل بتوظيف مدرسين جدد وتعطل الكثير من الطلاب عن الدراسة، وبسبب فقر العائلة المدقع، ولأنني التحقت بسوق العمل المأجور في سن العاشرة كأجير في أحد المخابز العامة التي يملكها أحد الأقارب فلم يعدني والدي للمدرسة كادت السنة الدراسية أن تضيع، ولكن قام صاحب المخبز مشكورا بفصلي من العمل لسبب تافه، كان لصالحي فيما بعد، ولكي لا أتسكع في الشوارع قرر والدي إعادتي للمدرسة، فعدت بعد غياب عدة شهور لكنني استطعت أن أكون الأول في تلك السنة رغم ذلك.

[**الحدث الثاني:*] كان افتتاح مكتبة المدرسة العمرية، مما أتاح لنا قراءة الكتب والاطلاع على الصحف والمجلات فساعد ذلك في توسيع آفاق المعرفة لدينا خصوصا وقد كنا فقراء لا نملك ثمن كتاب، ولا حتى ثمن الاشتراك الدائم في المكتبة. ولا أذكر في حياتي المدرسية أن والدي أهداني ولو كتابا واحدا، لكن مشرف المكتبة آنذاك السيد ياسين صب لبن كان يسمح لي الدخول للمكتبة في أي وقت حتى لو كانت مكتظة بالطلاب، لأنه كان يراني أحد الطلبة المتفوقين والمجتهدين والمحبين للقراءة، وقد صدق حدسه.

[**الحدث الثالث، موت الرئيس جمال عبد الناصر رحمه الله.*]

كان عمري ١٣ سنة، عندما خرجت مع المتظاهرين، لم يبق طالب لم يخرج في الجنازات الرمزية التي عمت كل فلسطين. أعترف دون تحيز أنها كانت أكبر تظاهرات تشارك فيها الجماهير، ولم أشهد لها مثيلا في حياتي. لأول مرة شاهدت الشيوخ والأطفال يخرجون في الشوارع حزنا على الراحل، لم أكن حينها أفهم سر هذا الحب للرئيس الراحل لكن ما أردت قوله أن تلك التظاهرات كانت بذرة الوعي الأولى السياسية التي غيرت مجرى حياتي ونقلتها من طور إلى طور آخر. في هذه المظاهرات كانت انطلاقتي نحو الوطن وبداية وعيي السياسي وفهمي لطبيعة الاحتلال الصهيوني الجاثم على أرض فلسطين.
ومنذ ذلك الوقت كنت أحد الطلبة النشطاء في التظاهر ضد الاحتلال وتشجيع الطلاب على التظاهر.

سنوات طويلة مرت على تلك الحقبة تجاوزت الثلاثين عاما، جيل جديد ظهر على السطح، فأصبحنا نصنف من جيل الشيوخ بعد أن كنا من جيل الشباب. بدأنا نقلق على أبنائنا، وفهمنا متأخرين لماذا كان آباؤنا يقلقون علينا، ويصرون على مراقبة تحركاتنا في كل مكان.

حاولت الاستفادة من محركات البحث جوجل وغيرها لأجد بعض زملاء الدراسة لعلنا نستعيد معا ذكرياتنا القديمة فلم أوفق في إيجاد أي منهم لذلك قررت أن أنشر هذا المقال مع أسمائهم لعل أحدا منهم يقرأ مقالي هذا فيرد علي.

‫زملاء الدراسة‬ حسب سنوات الدراسة

 شعبان أبو خلف، أواخر ستينات القرن العشرين
 سهيل الخطيب، أواخر ستينات القرن العشرين
 رأفت الشهابي، أواخر ستينات القرن العشرين
 نعيم منى، أواخر ستينات القرن العشرين.
 عبد الرؤوف جابر، أوائل سبعينات القرن العشرين.
 حاتم المظفر، أوائل سبعينات القرن العشرين.
 ياسين قطينة، أوائل سبعينات القرن العشرين.
مرشد أبو صبيح، أوائل سبعينات القرن العشرين.
 بسام بركات، أوائل سبعينات القرن العشرين.
 خليل الألاي ميني، أوائل سبعينات القرن العشرين.
 حمدي التميمي، أوائل سبعينات القرن العشرين.
 ميكادو المشعشع، أوائل سبعينات القرن العشرين.
 عاصم الهنيني، أوائل سبعينات القرن العشرين.
 إسحاق أبو غربية، أوائل سبعينات القرن العشرين.
 يسار جودة، أوائل سبعينات القرن العشرين.
 صالح طوطح، أوائل سبعينات القرن العشرين.
 إبراهيم القيسي، سبعينات القرن العشرين.
 شوقي أبو غزالة، سبعينات القرن العشرين.
 خالد القيسي، سبعينات القرن العشرين.
 محمد علي عايد، سبعينات القرن العشرين.
 خالد غنيم، سبعينات القرن العشرين.
 موسى منى، سبعينات القرن العشرين.
 هاني أبو خلف، سبعينات القرن العشرين.
 عيسى الطحان، سبعينات القرن العشرين.
 محسن جابر، سبعينات القرن العشرين.
 يحيى الزماميري، سبعينات القرن العشرين.
 خالد البرق، سبعينات القرن العشرين.
‫-‬ إضافة لزملاء آخرين لا يتسع المجال لذكرهم، وللزميلات العزيزات اللواتي أعتذر عن ذكر أسمائهن كي لا يسبب ذلك حرجا لهن.

في السنة الأخيرة من المدرسة كنت أشكل مع الزملاء الأعزاء التالية مجموعة متفاهمة، تلتقي كل يوم، كنا نعد أنفسنا أفضل الأصدقاء:
 إبراهيم القيسي، سبعينات القرن العشرين.
 شوقي أبو غزالة، سبعينات القرن العشرين.
 محمد علي عايد، سبعينات القرن العشرين.
 خالد غنيم، سبعينات القرن العشرين.

ترى أين رسى قارب كل منهم في هذه الحياة؟ وهل فعلا ما زالوا يتذكروني كما أتذكرهم؟؟

التوقيعات: 0
التاريخ الاسم مواقع النسيج مشاركة