منذ أسابيع وصديقي مشهور يطاردني طالبا مني أن أرافقه في رحلة استجمام إلى فلوردا، وعندما عرضت عليه اصطحاب زوجتينا قال مستنكرا:
– أنا أريد رحلة خاصة بنا نستريح فيها من عناء البيت.
– ولكن فلوريدا بعيدة عن وسكنسن أكثر من ألف ميل.
– سنخترع أي سبب، سنقول إنها رحلة شباب فقط.
لم أقتنع بكلامه لكنني وافقت في النهاية فالرحلة مع صديقي مشهور ممتعة فهو متحدث لبق، وصاحب نكته وفي الطريق يسلبني بحديثه عن مغامراته النسائية الكثيرة التي لو عرفتها زوجته لأطلقت عليه النار بلا تردد.
عرض علي أن نلف فلوريدا كلها، قال لي:
– سنبدأ رحلتنا من (أورلندو) ثم مدينة (تامبا)، و(كليرووتر)، و(سرسوتا) ثم نتابع الطريق إلى الجنوب ثم إلى الشرق حتى ميامي ثم فورت لودرديل، وهناك سنمكث ليلتين.
– لماذا فورت لودرديل؟
– لأنها رائعة، شطها جميل ونظيف، والطقس الآن حار والشط مليء بالحسان بالميوهات والبكيني. من يدري لعلنا نصطاد بعضهن.
قلت له مازحا:
– أو تصطادنا إحداهن.
– ها ها ها
كانت الطريق جميلة، الجو ربيعي في شهر أيار والأشجار أورقت وأصبحت الطريق خضراء على الجانبين، كنا طوال الطريق نستمع إلى الأغاني العربية، ولم نترك نكتة أو قصة إلا واستعرضناها وضحكنا معا. لم نترك صديقا لم نستغبه أو نثرثر عنه، وعندما تعب صديقي قرر النوم فيما واصلت أنا السواقة لساعتين حتى استيقظ من النوم.
وصلنا إلى فورت لودرديل، وقد صدق صديقي فالشط هناك على الشارع العام والمستحمون يقفون على الشط أما المارة في سياراتهم، الذين يتوقفون أحيانا عندما تثيرهم فتاة جميلة تستحم بالماء العادي بعد خروجها من البحر.
كنا نسير في سيارتنا رويدا رويدا نراقب المستحمين أقصد المستحمات لنثرثر عنهن، وقبل أن نقرر التوجه إلى الفندق لمحنا فتاة تبدو في العشرين من العمر تقف على رصيف الشارع وبجانبها شمسية تقيها من حرارة الشمس. كانت بملابس البحر وتلبس البكيني وتحمل في يدها علبة ماء وبالأخرى علبة كولا مثلجة وتصيح بصوتها الأنثوي الناعم بينما يتمايل وسطها يمينا وشمالا:
– مشروب بارد.
وقفنا بالقرب منها نزل صديقي على الفور من السيارة وقال لها:
– هل أنت متأكدة أنه مشروب بارد؟
– طبعا، خذ تأكد بنفسك.
وقدمت له علبة الكولا.
حملها صديقي وهو يراقب حركاتها وقال لها:
– إنها حارة جدا كيف يمكن لها أن تكون باردة وهي في يدك؟
فهمت قصده، ضحكت وقالت له:
– هل تريد غيرها.
قال لها:
– رغم حرارتها ستكون لذيذة لأنك لمستها من أين أنت؟ من أين جئت بهذا الجمال؟
فقالت له:
– من أمي الإيطالية الأصل.
– وأبوك؟
– أبي لا أعرفه، وأمي تقول أنه كذب عليها ولا تعرف أصله.
– لا تعرف أصله غريب والله. هل ستقولين إنها لا تعرف اسمه؟
– نعم لا تعرف سوى اسمه المزيف، وعندما بدأت تبحث عنه لم تجد أحدا بهذا الاسم لكنه كما قالت عربي لأنه كان يتكلم العربية.
– ولم يسأل عنك طوال هذه المدة؟
– لا هل أنتم عرب؟
– لا نحن من اليونان قريبة من الدول العربية. ما اسم أبيك؟
– كما قالت أمي تشارلي.
انتفض مشهور وتغير لون وجهه.
– تشارلي ماذا؟
– تشارلي ستالون، هل تعرفه؟
– لالا طبعا.
– واسم أمك؟ دعيني أحزر جودي.
– نعم. وكيف عرفت؟
– قرأت ذلك في عينيك.
كان الدم قد علا في وجه صديقي، أصبح يرتعش كمن أصابه مرض، حمل علبتي كولا ودفع ثمنها عشرين دولارا ثم قال لها:
– أستأذن مضطر للذهاب سنعود للتعرف عليك.
ركب السيارة وقال لي:
– هيا تحرك من هنا بسرعة أريد استخدام الحمام.
تحركت مسرعا وسألته:
– أراك قد تغيرت كثيرا مع أنك كنت معها في قمة تجلياتك ما حصل؟
– لا شيء أشعر بالتعب.
– هل أتعبك جمالها؟
– كلا.
عندما وصلنا إلى أقرب مطعم دخل مشهور إلى الحمام فيما انتظرته أنا بالصالة واقترحت عليه الاستراحة هناك وتناول طعام الغذاء. لم يمانع لكنه لم يطلب سوى فنجان قهوة.
– قهوة الآن؟ أنت تشعر بالإرهاق.
– لعل القهوة تريحني.
سحب سيجارته وبدأ يدخن كان شارد البال، سارحا ليس كعادته. حاولت أن أعرف السبب فلم أوفق.
كنت آكل لوحدي وأتحدث إليه لكني لم أشعر أنه كان يستمع إلى ما أقول، سألته:
– مشهور ما بك؟
– أشعر بالتعب وأريد العودة إلى وسكنسن.
– الآن؟
– نعم أنا تعبان.
– وفورت لودرديل؟
– سنعود إليها مرة أخرى.
– وصاحبة البكيني على الطريق؟
– سنرى غيرها.
– هناك سر تخفيه عني.
– لا لا يوجد شيء، أرجوك يا لبيب أريد العودة إلى وسكنسن. إن أحببت أعود وحدي بالطائرة؟
– ولو لالا سأعود معك الآن.
وعدنا من حيث جئنا، كان طوال الطريق نائما سارحا يحلم بأيام زمان.
كان يعيش في شيكاغو قبل أن ينتقل إلى وسكانسن، شابا طائشا لا هم له سوى السهر، وملاحقة الفتيات. كان يسمي نفسه تشارلي ستالون، لم يكن يعرف فتياته اللواتي يصطادهن عن اسمه الحقيقي، فهذه يقول لها أنه يوناني، وأخرى يدعي لها أنه سعودي، وثالثة... إيراني، ورابعة مصري….إلخ، وعندما التقى جودي قال لها أنه من جنوب فرنسا، كان ذكيا يعرف كيف يصطاد فتياته ويوقعهن بحبه، ظل على علاقة بجودي قرابة ستة شهور إلى أن أخبرته أنها حامل فعرض عليها الإجهاض لكنها رفضت، فتركها واختفى من المنطقة، اتصلت به فوجدت هاتفه مقطوعا، ظلت تبحث عنه دون فائدة وقد اتضح لها أنها لا تعرف لا اسمه الحقيقي ولا مكان سكنه.
كان مشهور يستعيد لحظة أخبرته جودي بأنها حامل:
– جودي يجب أن تجهضي، أنا لا أريد أطفالا.
– ولكني أحب أن يكون لي طفل، أرغب أن أكون أما.
– جودي إذا أردت الحفاظ على علاقتنا عليك الإجهاض.
– لا لن أجهض.
– ستخسريني.
– تكون مسؤولا عن ابنك أو ابنتك أمام القانون.
– قانون؟ وماذا سيفعل معي القانون؟
– نفقة الطفل؟
– جودي عودي إلى عقلك.
– تقصد تخلي عن عقلك.
– حسنا إلى اللقاء.
كان ذلك آخر لقاء مع جودي لكنه كان اللقاء الذي غير مجرى حياته، لم يهتم بأنها حامل منه. كل همه كان الهرب من ملاحقاتها القانونية فهاجر من شيكاغو وسكن مدينة ملواكي في ولاية وسكنسن ولم يعد يستخدم اسم تشارلي ستالون، أو يذكره على لسانه.
وصلنا إلى وسكنسن صباح اليوم التالي بعد يوم كامل من السواقة المتواصلة كنت فيها منهكا، تعبا أوصلت مشهورا إلى بيته، وتوجهت فورا إلى البيت مستنجدا بزوجتي أن تسمح لي بالنوم، قلت لها سأشرح لك كل ذلك بعد أن أستيقظ.
في المساء عندما استيقظت قالت لي زوجتي أن زوجة مشهور اتصلت وأخبرتها أن مشهورا في المستشفى.
– مشهور في المستشفى؟
لبست ملابسي وتوجهت بسرعة إلى المستشفى المذكور، كانت زوجته تبكي، أخبرتني أنه في غرفة الطوارئ.
– ماذا حصل؟
– مشهور الآن في حالة غيبوبة لا نعرف متى ستنتهي.
كنت أزوره يوميا فلا أرى سوى جسد ممدد والأنابيب تحيط به من كل جانب.أربعون يوما ومشهور في حالة غيبوبة وفي اليوم الحادي والأربعين جاء نذير الطبيب، مات مشهور.
التاريخ | الاسم | مواقع النسيج | مشاركة |