ممنوع الكلام في الطائرة
الأحد ٣ تموز (يوليو) ٢٠١١
بقلم عادل سالم

وصل نديم مع زوجته هالة إلى مطار العاصمة واشنطن قبل موعد إقلاع الطائرة المتجهة إلى (أورلندو- فلوريدا) بساعتين، حيث قررا قضاء نهاية الأسبوع معا هناك ليستريحا من عناء العمل ومشاغل الأطفال مستغلين عطلة المدارس واستعداد جدتهما الاعتناء بهما خلال غياب والديهما.

بعد انتهاء كل مراسم حجز المقاعد، توجها إلى الطائرة وانتظرا مع المنتظرين لحظة فتح باب الطائرة، ودخول المسافرين.
ظل نديم يسير إلى مؤخرة الطائرة حتى وصل إلى مقعديهما، نظرت زوجته وقالت له:
  ألم تجد سوى هذين المقعدين.
  لم يكن سواهما لنجلس معا فالمقاعد الأخرى متناثرة ستكونين في مكان وأنا في آخر.
  ولكنه بجانب الحمام، الناس داخلة خارجة من الحمام.
  على الأقل لن يكون خلفنا أحد ولا بجانبنا أحد، مقعدان خاصان.
  لعلهما الأكثر أمانا؟!
  لا ليس الأكثر أمانا. فالأكثر أمانا هي المقاعد التي بجانب الجناح.
  ألا تعتقد أنه بإمكننا تغيير المقاعد مع الجالسين هناك؟
  هالة، المكان هنا أكثر راحة صدقيني.
  حسنا أرجو ذلك.

رفع نديم حقيبه ملابسهما ووضعها في الرف العلوي فوق رأسيهما. وسمح لزوجته الجلوس محاذية للنافذة فيما جلس هو بجانبها، وضع يده فوق يدها وقال لها:
  أمامنا ساعتان حتى نصل إلى هناك.
فقالت له:
 فرصة لتنام وتعوض سهر الأمس.
  سيكون نوما طويلا حبيبتي، الوداع.
ثم قبلها وأسند رأسه إلى الخف بعد أن ربط حزام الأمان مرات كأنه لن يراها بعد تلك الساعة.

تأخرت الطائرة عن موعد الإقلاع، وأعلن ربانها أن خللا طرأ عليها وطالب الجميع الجلوس في كراسيهم حتى يتم إصلاح الخلل.

لحظات وقف رجل طويل القامة يلبس بدلة زرقاء اللون يرفع شارة محقق من دائرة التحقيق يقف بجانبه ويقول لهما:
 نريد الحديث معكما على انفراد.
لم يكن نديم قد نام بعد، فتح عينيه، وسأله:
 هل قلت أنك تريد الحديث معنا على انفراد؟
 إذا سمحت.
  لماذا؟ والطائرة على وشك الإقلاع؟
 أمر هام، أرجو ألا تتعبني، هيا اتبعاني بهدوء ودون ضجيج.

وقف مع زوجته ولحقا به فيما تقدم شخص آخر، قام بتفتيش مكان جلوسهما وما حولهما، ثم حمل حقيبتيهما من مكانها ولحق بهما إلى المكتب في المطار.

نظر نديم إلى المسؤول الثاني الذي يحمل الحقيبة فسأله لماذا أحضرت الحقيبة؟ هل ستترك الطائرة تغادر بدوننا؟!
فقال له:
 لا تقلق ستغادر في الوقت المناسب.
جلس نديم وزوجته على كرسيين متجاورين فيما جمع أحدهما بطاقتيهما وتذكرتيهما وعاد بعد لحظات يحمل أوراقا كاملة لهما لعلها سيرة حياتهما هناك.

ولد نديم وزوجته في الولايات المتحدة، وتعلما في مدارسها وجامعاتها، ولهجتهما أمريكية صرفة لا يميزها عن أي أمريكي أي شيء.
سأله نديم:
 لماذا نحن هنا؟
 هناك شكوى بأنكما ستفجران الطائرة.
 نفجر الطائرة؟! لماذا هل جننا؟
 لماذا اخترتما آخر كرسيين في الطائرة؟
 لأنه لم يكن ثمة كرسيين متجاورين سواهما.
 وما قصة جناح الطائرة؟
 زوجتي سألتني عن أكثر الأماكن أمانا في الطائرة. فقلت لها بجانب الجناح.
 هل لك أولاد؟
 ولد، وبنت.
 لماذا لم تحضرهما معك؟
 لكي نقضي معا إجازة ليومين بدون الأولاد.

نظر إليهما ثم قال:
 نحن مضطرون لتفتيشكما.

أخذ أحدهما نديم إلى غرفة خاصة فيما حضرت إحدى المسؤولات واقتادت زوجته إلى غرفة أخرى. تم تجريد كل منهما من ملابسه، وفحصهما ثم فحص جسميهما بشكل أثار نديم فقال غاضبا:
 ما هذه الإهانات؟ كل هذا لأنني من أصل عربي ولوني يوحي أنني لست من أصول أوروبية؟
  نحن نقوم بواجبنا.
  لو كنت من أصل أوروبي واسمي مايك وشعري أشقر لم أتعرض لسؤال واحد.

لم يرد المسؤول وتابع عمله.

بعد ذلك فتشوا حقيبتهما ثم أخذوا بصمات أصابعهما، وتم عرضها على الكمبيوتر، وبعد لحظات جاء الجواب بأن لا شيء يستدعي الشبهة، فسمح لهما الجلوس في غرفة الانتظار.

بعد نصف ساعة من الانتظار دخل عليهما مسؤول آخر أبيض الشعر، قال لهما باسما:
 أعتذر أننا أخرناكما عن السفر، لكنها إجراءات أمنية يجب أن نقوم بها، يمكنكما المغادرة.
 هكذا، بعد كل هذه الإهانة دون سبب؟
 سيد نديم. عملنا ليس سهلا، وقد حرصنا على أن نقوم بواجبنا دون أن نسبب إزعاجا لكما.
لقد اتصل بنا ربان الطائرة وقال إن بعض الركاب سمعوكما تتحدثان عن جناح الطائرة، وأنك ستنام نوما طويلا، وقد هددوا بمغادرة الطائرة إن بقيتما على متنها لهذا كان علينا التأكد من أن الأمور تسير بشكل سليم.
  وكيف سنسافر الآن بعد أن صرنا مشبوهين لدى مكتب الشركة؟
هز رأسه ثم نادى أحد المسؤولين وقال له آمرا:
 خذ السيد نديم وزوجته إلى شركة دلتا، وغير لهما الحجز على أول رحلة قادمة إلى أورلندو بعد أن تشرح للمكتب أننا سبب تأخرهما وأنهما ليسا في موضع شبهة. إذا واجهتك صعوبة اتصل بي.
 أمرك سيدي.

بعد انتهاء حجز المقاعد في الرحلة التالية، ذهب نديم مع زوجته إلى أحد المطاعم للاستراحة، فموعد الرحلة القادمة بعد ثلاث ساعات.
جلس متنهدا كأنه ارتاح من حمل ثقيل على كتفه، قال لها:
 أرأيت العنصرية؟ الركاب الذين كانوا يبتسمون لنا، ويرحبون بنا، كانت قلوبهم مليئة بالحقد والكره شكوا بنا. الأغبياء! هل يمكن لشخص يريد تفجير الطائر ة أن يأتي مع زوجته ويخاطبها بالانكليزية أمام الجميع؟
 الانتماء إلى هذه البلد لم يعد يعتمد على حبك لها وشعورك بالانتماء إليها، ولكن يعتمد على لون عينيك وشعرك، والبلد التي جاء منها أجدادنا.
 يبدو من الآن وصاعدا أن علينا عدم التحدث معا داخل الطائرة، والاكتفاء بالإشارة.
  أخاف أن يعدوا أية إشارة تصدر عن أحدنا بأنها إشارة للهجوم أو تنفيذ العمل الإرهابي المزعوم؟!

التوقيعات: 0
التاريخ الاسم مواقع النسيج مشاركة