مغامرات في زحل
الخميس ١ آذار (مارس) ٢٠١٨
بقلم عادل سالم

يوم أمس قضيت يوما ممتعا في زحل، كانت رحلة جميلة، بل مغامرة مثل مغامرات حمزة البهلوان أعادتني لسنوات الشباب حينما كنت أقفز من فوق سور القدس، فأحلق فوق سلوان ثم أهبط بسلام في بئر أيوب.
رحلة لم أخطط لها، ولم أشتر تذكرة، فاجأتني دون أن أدري، يقال دوما أجمل الأفراح ما يباغتك على حين غرة دون أن تكون بانتظاره، أو تتوقع زيارته.
لن أضيع وقتكم في الحديث عن كيفية وصولي هناك، فمتعة الأشياء في الغوص فيها لا في الطريق إليها.
كنت مع مرشد سياحي أتفقد شوارع كوكب زحل الغريبة، وناسها المختلفين عنا في كل شيء، كان شكلهم مضحكا فلا تعرف لهم رأسا من قدمين ينتقلون من مكان إلى آخر كالنحلة التي تطير من زهرة إلى أخرى، لا يستنشقون الهواء مثل البشر، فقد أكد لي المرشد أنهم لا يتنفسون، لذلك كنت الوحيد الذي يضع القناع على وجهه المرتبط بجهاز أكسجين أحمله على كتفي، كان منظري غريبا، فأنا القادم من كوكب آخر، كان كل من رآني يبحلق بي، متسائلا من أين هذا الشيء العجيب الذي يغزو كوكبهم.

بعد ساعات أشعرت المرشد خلالها بالملل من أسئلتي الكثيرة التي كان يفهم بعضها ويهز رأسه للآخر، سألته، أين المطاعم؟ ألا يوجد لديكم محلات للأكل؟ وأشرت بيدي لفمي، هز رأسه، وقال: سكان زحل لا يأكلون.
 لا يأكلون؟ وكيف يعيشون؟
 وهل يحتاج الإنسان عندكم للأكل كي يعيش؟
 طبعا وسوف يموت جوعا بدون أكل.
 وماذا تفعلون بالأكل الذي يدخل بطونكم؟
 هاهاها، نخرجه بعد أن يتحول لفضلات.
 سأسأل قسم السياحة عندنا لا بد أن مطعما للسياح في مكان ما.

وصلنا المطعم كنت منهكا من التعب، وأحست بالجوع والعطش، واستغربت كيف يوجد كائنات حية تعيش بدون أكل، سألته، وكيف يتوالدون؟
 نحن لا نتوالد هنا.
 ماذا؟ وكيف تتكاثرون؟
 نحن لا نتكاثر هنا، لا نموت، كما ترانا منذ ملايين السنين. لا يوجد لدينا أطفال، وكلنا من جنس واحد فلا ذكور، ولا إناث.
 لو كان أهل الأرض مثلكم، لانتفت حالات التحرش بالنساء، وجرائم الاغتصاب، ووفر الشباب على أنفسهم مصاريف الزواج .. لكن ما قيمة الحياة إذن؟
لم يعد عقلي يستوعب ما أسمع. وشعرت كم هي مملة الحياة في زحل.
اشتد الجوع بي، طلبت منه أن يسرع بطلب قائمة الطعام، فقال لي ليس لديهم قائمة. لديهم نوع أكل واحد للقادمين من كوكب الأرض.
حسنا هاته.
كان الأكل عبارة عن قطع من الخبز الناشف، وكأس عصير لا طعم له، ولا رائحة.
شربت العصير من فتحة في القناع الذي أرتديه، كان الخبز جافا، شعرت بوجع، وأنا أقطعه بأسناني.
وعندما حاولت بلعه وقفت قطعة بحلقي، فشعرت بالاختناق، طلبت كأسا من الماء بسرعة، وحاولت أن أبلع قطعة الخبز أو استخراجها من حلقي فلم أوفق، اهتز جسمي من الاختناق، تأخر النادل من إحضارها، فغبت عن الوجود. فجأة فتحت عيني فوجدت أمامي ممرضة، كانت تحمل القناع بيدها، أين أنا؟
ضحكت، وقالت: لقد أشارت شاشة المراقبة عندنا أن جهاز التنفس قد توقف عنك بسبب عطل تقني، فجئت ورفعت القناع عنك لتتنفس بحرية.
قلت لها:
 غيري الجهاز، وأعيدي القناع أريد أن أكمل رحلتي في زحل فالمرشد بانتظاري.

التوقيعات: 0
التاريخ الاسم مواقع النسيج مشاركة