الصفحة الرئيسيةمقالات ودراسات
آلاف العمال الفلسطينيين معرضون للفصل الجماعي
الأربعاء ١٠ كانون الثاني (يناير) ١٩٩٦
بقلم عادل سالم

مركز الدراسات العمالية ـ رام الله ـ فلسطين
نشر في مجلة الحرية الصادرة في لبنان
العدد402 – 1477 الصادرة في 31- آذار - 1991

ازدادت في الشهور الماضية، وخصوصاً بعد حادثة الطعن بالسكين التي قام بها الفلسطيني عامر أبو سرحان في تشرين الأول (اكتوبر) 1991 والتي أدت الى مقتل ثلاثة إسرائيليين بينهم ضابط في غربي القدس، ظاهرة الفصل الجماعي لآلاف العمال العرب في المشاريع الإسرائيلية، وارتفعت أصوات إسرائيلية، حكومية وشعبية، تدعو الى العودة لشعار "العمل العبري "وإغلاق المناطق المحتلة إغلاقاً نهائياً.

وقد بذل الاتحاد العام لنقابات العمال في دولة فلسطين المحتلة جهوداً كبيرة لإحصاء عدد المفصولين، وإيجاد الحلول الممكنة لهم. لكنه كان يفاجأ كل مرة أن هناك أعداداً كبيرة لم يشملها الإحصاء بعد. فالبلديات الإسرائيلية تسابقت في فصل العمال الفلسطينيين من العمل في منشآتها، بعضها فصلت معظم عمالها العرب مثل بلدية تل أبيب، في حين فصلت الأخرى جميع عمالها العرب، كبلدية بيتاح تكفا، التي لم تكتف بذلك فحسب، بل علقت شعاراً كبيراً وسط المدينة يقول "بيتاح تكفا للعمل العبري"، ووقع عليه رئيس المجلس البلدي هناك غيوراليف.

ولم يكن حال المصانع والشركات الإسرائيلية أفضل من ذلك. حيث قامت بتقليص عدد العمال العرب ما أمكن. ومما شجع عمليات الفصل الجماعي للعمال العرب، تدفق آلاف المهاجرين السوفييت اليهود الى إسرائيل، وحث الحكومة والجهات الرسمية الإسرائيلية أصحاب العمل الإسرائيليين الى تشغيل المهاجرين اليهود بدلاً من العمال العرب، وهو ما بدأ يجد آذاناً صاغية بعد حوادث الطعن بالسكاكين التي تمت داخل إسرائيل نفسها فقد قام أحد أصحاب العمل بطرد عامله العربي الوحيد لأن إحدى الموظفات الإسرائيليات لديه حلمت ليلاً أن العامل العربي طعنها بالسكين!!!

ولم يكن غريباً إذن التجاوب الذي حظيت به الدعوة الى شعار "العمل العبري" فقد أعلن يورام بلزوفسكي أن عدد العمال العرب في الصناعة الإسرائيلية مع بدء الانتفاضة كان 21 ألف عامل عربي، أما اليوم فعددهم 11 ألف عامل فقط.

وإذا كانت الدعوة لفصل العمال العرب قد حظيت بتجاوب في الصناعة وعدد من المؤسسات الصغيرة، فليس الحال كذلك في مشاريع البناء التي لم تجد إقبالاً للعمل فيها من قبل المهاجرين السوفييت . ولذلك صرح بعض أصحاب العمل الإسرائيليين أن العمل لديهم لا يستطيع القيام به إلا العمال العرب [1]
. وقد أكد ذلك الدكتور أفرايم أحيران، الباحث في معهد ديفيس في الجامعة العبرية والخبير في اقتصاد المناطق المحتلة حين قال بأن إسرائيل تسير نحو عمليات إعمار واسعة، ولا يمكنها أن تقوم بذلك بدون عمال المناطق المحتلة. ولا يرى الدكتور احيران إمكانية أن يحل الإسرائيليون محل العمال العرب في هذا المجال. كما حذر من أن توقف عمال المناطق المحتلة نهائياً سوف يجر وراءه اضطرابات لم تشهدها إسرائيل من قبل [2]

"العمل العبري" بين الرفض والقبول

شعار "العمل العبري" ليس جديداً في الوسط الإسرائيلي. فقد سبق وأن كان هذا الشعار مثار نقاش حاد في الحكومة الإسرائيلية بعد حرب عام 1967. وكان أبرز مؤيديه غولدامائير ، رئيسة الوزراء آنذاك، ووزير المالية بنحاس سابير. في حين تزعم شعار السماح للعمال الفلسطينيين بالعمل في إسرائيل دون تغيير في مواقع سكنهم موشيه ديان وزير "الدفاع" في حكومة غولدا مائير ، الذي عبر في موقفه عن حاجة إسرائيل ومنشآتها الاقتصادية للأيدي العاملة العربية الرخيصة، ورغبة إسرائيل في إلحاق المناطق المحتلة بها اقتصادياً.

إن العودة اليوم لطرح هذا الشعار (العمل العبري) في إسرائيل من جديد، لا يعني العودة لتأييد فكرة غولدا مائير، وأنه ثبت خطأ دعوة موشيه ديان، حيث لم تزل هذه الأخيرة هي السائدة على الصعيد الرسمي حتى اليوم. فالظروف التي دعا فيها موشيه ديان الى السماح للعمال الفلسطينيين بالعمل تختلف كثيراً عن الأوضاع الحالية التي بدأت بدأت فيها إسرائيل ، منذ عام ونيف، باستقبال عشرات الآلاف من المهاجرين اليهود السوفييت والذين تحرص حكومة إسرائيل على إيجاد فرص عمل مناسبة لهم. وإذا كان هم أصحاب العمل الإسرائيليين هو الأيدي العاملة الرخيصة ، فإن المهاجرين السوفييت قبلوا العمل بأجور متدنية وبأية أعمال ممكنة. هذا من جانب، أما من جانب آخر فإن طبيعة الأحزاب المؤيدة والمعارضة لشعار "العمل العبري" وفكرة إغلاق المناطق المحتلة، قد اختلفت واختلف معها أسباب القبول والرفض.

ورغم أن الفكرة أساساً كانت مثار تعليقات صحفية طيلة سني الانتفاضة، وخصوصاً بعد خطوة توزيع البطاقات الممغنطة على سكان قطاع غزة عام 1989، إلا أن جدية البحث في هذا الموضوع قد علت الى السطح بعد حادثة الطعن بالسكين التي قام بها الفلسطيني عامر أبو سرحان من العبيدية والتي أدت الى مقتل ثلاثة إسرائيليين في غربي القدس، والتي أعقبها قرار وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ارينس بإغلاق المناطق المحتلة وعدم السماح لعمالها بالتوجه للعمل في إسرائيل، ولمدة أربعة أيام متتالية. حيث رحبت جهات يمينية و"يسارية" بهذا القرار، وانتقدت وزير "الدفاع" بعد قراره إلغاء قرار الإغلاق وعودة العمال الى عملهم، في حين رفض فكرة الإغلاق الدائم مسؤولون رسميون في الحكومة وأغلبية قيادة حزب العمل الإسرائيلي.

وإذا كانت أكثر العناصر اليمينية تطرفاً قد التقت في مواقفها مع أعضاء كنيست وتيارات سياسية "يسارية" فإن الدوافع لكل منهما لتأييد فكرة الإغلاق النهائي للمناطق المحتلة متباعدة جداً، بل تكاد تكون على طرفي نقيض. رغم أنها تلتقي في النهاية عند موقف واحد: "العمل العبري" وإغلاق المناطق المحتلة. فاليمينيون يرون أن إغلاق المناطق المحتلة يمنع عمليات "التخريب" ويوجد فرص عمل للمهاجرين السوفييت [3].

وقد تزعم رفائل ايتان، وزير الزراعة، هذا الطرح، كما أيده مسؤولون رسميون . فقد صرح في مقابلة إذاعية مناحم ملسون، الذي تولى "الإدارة المدنية" في الضفة والقطاع عامي، بأن قرار وزير "الدفاع" موشيه ارينس بالسماح للعمال العرب بالعودة للعمل في إسرائيل كان خاطئاً. وطالب بالإغلاق النهائي للمناطق المحتلة وقال في حديثه للإذاعة الإسرائيلية الذي أذيع في 4/11/1990 " أن وضع حد للمخاطر بين العرب واليهود يتطلب وقف تشغيل العرب في إسرائيل وهذه الخطوة تتطلب المبادرة من جانب السلطات الإسرائيلية الىإعادة تنظيم وترتيب سوق العمل الإسرائيلي التي تعيش الآن لحسن الحظ في ظل هجرة جماعية فائضة اليها من الاتحاد السوفييتي، يفتش الآلاف منهم عن عمل لهم بالإضافة الى وجود الآلاف من اليهود الإسرائيليين العاطلين عن العمل الذين كانوا في السابق يفضلون عدم العمل في الأعمال التي يقوم بها العرب، مفضلين الحصول على مخصصات بطالة". وأضاف ملسون:" إن وقف تشغيل العمال العرب يتطلب من السلطات الإسرائيلية البحث بجدية في كيفية خلق فرص عمل لهم في مناطقهم عن طريق التباحث بهذا الشأن مع الفعاليات الاقتصادية في تلك المناطق مثل الغرف التجارية والبلديات والمجالس القروية وغيرها"  [4]

وكانت صحيفة "هآرتس" قد دعت في افتتاحيتها في 29/10/1990 المجتمع اليهودي الى تأهيل نفسه بالاعتماد على قوة العمل الإسرائيلية ، لأن عمال المناطق المحتلة، عاجلاً أو آجلاً، سيحظون بالاستقلال ويعيشون في كيانهم الجديد. كما أيد عضو الكنيست يوسي سريد، من حركة حقوق المواطن "راتس" وأحد العناصر البارزة في "اليسار الإسرائيلي"، الإغلاق النهائي للمناطق المحتلة، لأن ذلك حسب رأيه يقطع الحبل السري الذي يوصل المناطق المحتلة بإسرائيل، وتصبح قابلة للتطور اقتصادياً حسب حاجتها لا حسب المصالح الكولونيالية الإسرائيلية. وأضاف سريد أن طرد مئة ألف عامل من إسرائيل ليس طرداً من الجنة، أنه طرد من المطابخ والأقبية والمزابل [5]

وانقسم حزب العمل الإسرائيلي بين مؤيد ومعارض لإغلاق المناطق المحتلة نهائياً وعدم السماح للعمال العرب بالعمل في إسرائيل. وبينما دعا حاييم رامون الى إغلاق المناطق المحتلة والسماح فقط لعدد محدود جداً بدخول إسرائيل من خلال استثناءات محدودة [6]. فقد صرح وزير "الدفاع" السابق إسحاق رابين أن إغلاق المناطق المحتلة نهائياً ليس هو الحل للمشكلة، ودعا الى ضرورة البحث عن حل سياسي. أما غاد يعقوبي، وزير الاقتصاد السابق وأحد قادة حزب العمل فقد أيد فكرة الإغلاق في حين رفضته أغلبية مركز الحزب التي عبر عن موقفها "يعقوب تسور"، أحد قادة حزب العمل الإسرائيلي، في مقال له في صحيفة "دافار" الإسرائيلية في 18/11/1990 جاء فيه: "إن إغلاق المناطق المحتلة فوراً وبدون تسوية سياسية، وبدون خلق بنية اقتصادية هناك ستجعل من المناطق المحتلة غيتوات للعاطلين عن العمل والجوعى الذين ينتظرون وجبة الطحين والزيت من منظمات الإغاثة وسيكون هؤلاء مرشحين دائمين للتجنيد لأعمال التخريب (!) ضد جنود الجيش الإسرائيلي" [7]
. وأضاف تسور، إضافة لضرورة تجديد المبادرة السياسية، يجب اتباع خطة فصل تدريجي بين المناطق المحتلة وإسرائيل يتمثل أولاً بتشجيع الاقتصاد الذاتي في المناطق المحتلة وتقديم المساعدات للأوساط المحلية والمؤسسات الدولية من أجل إقامة فروع صناعية ومهنية بديلاً للعمل في إسرائيل . [8]

وتعبيراً عن الوجه الحقيقي للهستدروت تجاه العمال الفلسطينيين، فقد صرح حاييم هبرفيلد، رئيس قسم التنظيم المهني في الهستدروت، في حديث لنشرة "مباط" الإخبارية للتلفزيون الإسرائيلي، مساء 28/10/1990، أنه إذا كان الخيار تشغيل العرب الفلسطينيين من المناطق المحتلة أو اليهود من المهاجرين الجدد، فإن واجب صاحب العمل تشغيل اليهود.

الحكومة الإسرائيلية ترفض الإغلاق النهائي وتعمل على تقليص عدد العمال العرب

الحكومة الإسرائيلية، وبشكل خاص كتلة "الليكود" رفضت وبشكل قاطع فكرة الإغلاق النهائي للمناطق المحتلة واعتبرت من يطالب بذلك بأنه يدعو إسرائيل للعودة الى حدود عام 1967 . فإسرائيل لا تريد ولا تحبذ أية إجراءات يمكن أن تعيد الى الأذهان فكرة "الخط الأخضر" (حدود عام 1967). كما تدرك تماماً أن إغلاق المناطق المحتلة نهائياً سوف يشجع الرأي العام العالمي لدعوة إسرائيل للانسحاب من المناطق المحتلة، وهو ما ترفض إسرائيل أن تجد نفسها مضطرة اليه. هذا إضافة الى حاجة إسرائيل حتى اليوم الى الأيدي العاملة العربية، وإن كانت تلك الحاجة تتناقص باستمرار مع تدفق المهاجرين اليهود السوفييت. لذلك بدأت الحكومة بحملة واسعة لتقليص عدد العمال العرب، والحديث يدور عن العمال العرب العاملين بدون تصاريح صادرة عن مكاتب العمل الإسرائيلية والذين يشكلون ثلثي العاملين العرب في إسرائيل (حوالي 70 ألف عامل عربي).

ومن اجل تنفيذ فكرة التقليص، ولكي لا يبقى توجه الحكومة حبراً على ورق، فقد تم تشكيل لجنة مشتركة من مختلف الوزارات لوضع القوانين الكفيلة بتطبيق القرار الوزاري. وقد أوصت اللجنة، ضمن ما أوصت به، بزيادة توزيع "البطاقات الخضراء" على من أسمتهم بــ"المشاغبين" لضمان عدم عملهم في إسرائيل. كما أوصت بفرض غرامة مقدارها خمسة آلاف شيكل (2500 دولار) عن كل يوم تشغيل إضافي لعامل غير منظم ودعت اللجنة الوزارية المشتركة الى شطب أسماء المقاولين من السجل الرسمي وعدم الاعتراف بالأجور التي يدفعونها للعمال غير المنظمين كنفقات لمقتضى ضريبة الدخل.

ملاحقة العمال العرب في كل مكان:

وعلى أثر توصيات اللجنة المشتركة، نشطت حملات الملاحقة السلطوية والشعبية ضد العمال العرب. حيث تم تشكيل دوريات خاصة لذلك. وقد تمكنت 140 دورية شارك مدير سلطة التشغيل دافيد مينع في إحداها بنفسه في تل أبيب، ضبط 1350 عاملاً فلسطينياً و 309 عمال أجانب، وفرضت عليهم غرامات عالية جداً [9]

ويقوم متطرفون إسرائيليون، يتزعمهم عناصر عصابة "كاخ" الفاشية، بالاعتداء علناً على العمال العرب، حيث يجبرون بالقوة أصحاب المحلات اليهود على فصلهم. وقد قدم أصحاب عمل يهود عديدون شكاوى الى الشرطة بهذا الخصوص [10]

هذا وقد استنكر بنيامين غونين، رئيس القائمة المشتركة للسلام والمساواة في الهستدروت، الحملة الرسمية والشعبية لطرد العمال العرب. فقال"إن أوساطاً إسرائيلية يسارية وقعت في الفخ"، مشيراً بذلك الى مواقف بعض "اليساريين الإسرائيليين المؤيدين لإغلاق المناطق المحتلة.

لم يصدر أي تعليق رسمي فلسطيني حول فكرة إغلاق المناطق نهائياً وعدم السماح للعمال العرب بالعمل في إسرائيل. وامتنع العديد من الشخصيات الفلسطينية من التعليق على الموضوع فبقدر حاجة العمال الفلسطينيين للعمل في إسرائيل، حيث لا توجد مصادر رزق بديلة لهم حتى اليوم، فإن الإغلاق النهائي للمناطق المحتلة وبقرار إسرائيلي، يعزز الموقف الفلسطيني عالمياً ويدفع باتجاه مطالبة دولية بانسحاب إسرائيل من المناطق المحتلة.

وإذا كانت إسرائيل اليوم تعرقل إقامة الصناعة الوطنية وتطويرها، فإنها ستجد نفسها مضطرة
لذلك، فيما لو أقدمت على إغلاق المناطق المحتلة نهائياً، مما سيعزز فرص نشوء اقتصاد وطني مستقل . وما دامت إسرائيل لا زالت تعيش وسط أجواء تدعو لإغلاق المناطق المحتلة، وهو أمر ليس مستحيلاً حدوثه بشكل أو بآخر، فهل الجانب الفلسطيني، وخصوصاً الرسمي في قيادة منظمة التحرير الفلسطينية مهيأ لذلك؟ وهل بدأ فعلاً بوضع الدراسات الاقتصادية المناسبة ومصادر تمويلها..الخ؟ نأمل أن يكون للسؤال المذكور جواب إيجابي لدى الجهات المسؤولة في منظمة التحرير.

ملاحظة :

هوامش
كافة الفقرات التي لم يشر لمصادر لها، يعتبر مصدرها مركز الدراسات العمالية في رام الله التابع لاتحاد نقابات العمال بالضفة.

[1"حداشوت" 19/10/90

[2"يديعوت أحرونوت" 25/10/90

[3"النهار المقدسية" 5/11/90

[4"النهار المقدسية"19/11/90

[5."الشعب" 19/11/90

[6"النهار المقدسية" 4/11/90

[7"الطليعة" 22/10/90

[8المصدر السابق

[9."القدس" 5/11/90

[10"الاتحاد" 8/11/90


تعقيبك على الموضوع
في هذا القسم أيضاً