الصفحة الرئيسيةقصص وسرد
قصة من واقع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الصهيوني
أبو الدوح
الثلاثاء ٢٨ حزيران (يونيو) ٢٠٠٥
بقلم عادل سالم

الحديث عن (أبو الدوح) إن بدأ لا ينتهي بدقائق، لأنه من الصعب أن تتحدث عن محمد دوحان (أبو الدوح) دون أن تتحدث عن واقع الأسرى في سجن نفحة، ودون الحديث عن معارك نضالية طويلة، ودون الحديث عن بطل تذكّره يثير فيك حب العودة إلى أكثر من عشرين سنة للوراء.
قيل لي من أقرب المقربين لعائلته بأنه استشهد، رحل مع الراحلين، وما أكثر الشهداء! كلهم يحظون بتقدير واحترام، ولكن لبعضهم بالتأكيد مرتبة خاصة داخلية لأنهم كانوا جزءًا مني، ومن الصعب أن تمر أسماؤهم دون أن تفجر بركانًا داخليًّا يهزني من الأعماق .

 آه كم بركان تفجر داخلي خلال السنوات الثلاثين الماضية؟ وكم بركان آخر سيتفجر قبل أن أغادر مسرح الحياة؟

لم يمر على الإفراج عنه سوى سنتين، فقد أمضى في السجن أكثر من (15) سنة. تحرر من الأسر في صفقة تبادل الأسرى سنة (1985). خرج للحرية ليستنشقها بعد سنوات الأسر الطويلة، قضاها متنقلاً بين سجون كثيرة في فلسطين التاريخية، فإذا به يخرج من السجن ليلقى حتفه، كأنه والموت كانا على موعد. لم ينل منه الموت في فلسطين، فلحقه إلى لبنان، كأن الموت لم يرد له أن يحقق أحلامه. ظالم هذا الموت يخطف الناس من أحلامهم دون سابق إنذار. هذا الموت عدو شرس من الصعب قهره. كان يقول قبل استشهاده: للهواء رائحة خاصة خارج القضبان. لكنه لم يخبرنا ما طعم الشهادة في المنفى!

عندما يأخذ الموت من نحبهم نصاب بنكسة. نتمنى لو نقدر أن ننتقم من الموت، ولكننا نقف عاجزين عن الدفاع عن موتانا. ربما نتغلب على الموت عندما نكتب أحلامنا، حتى إذا هزمنا الموت تبقى أحلامنا، لعل آخرين يقرؤونها، فنعود إلى الحياة من النافذة الضيقة .
أطلقوا سراحه واشترطوا نفيه خارج الوطن، ثم لحقوه ليقتلوه، فظل محفورًا في ذاكرتنا .

منذ عشرين سنة لم أره، ولكنه لم يغب عني على الرغم من كل تلك السنوات. أكاد أراه الآن أمامي بشحمه ودمه، وبسمته التي لم تغب عن شفتيه. أحاول أن أهجم عليه لأعانقه، فأصاب بكابوس يمنعني من الاقتراب منه .

ما زال ماثلاً أمامي ببسمته العريضة :
 مع السلامة يا رفيق. خليك على العهد. إياك أن تنسانا؟ معظم الذين غادروا هذا السجن عاهدونا ونسونا، فلا تكن مثل الأكثرية .
 لن أنساكم يا أبطال هذا الوطن، ولو أردت فلن أستطيع، فقد حفرت تلك الشهور القليلة معكم آثارها في الذاكرة، وما حفر في هذه الذاكرة يصعب نسيانه، مع أن أشياء كثيرة فيها أتمنى لو أنساها ولا أعود أتذكرها. الذكريات جزء من الإنسان. جزء من تضاريس وجهه وتركيبته النفسية. جزء من طبيعته. من قوته ومن ضعفه .

في الأول من نيسان (1985) ضممته لصدري؛ تعانقنا ونحن في ساحة السجن قبل أن يفرج عني.
كل الأسرى خرجوا للوداع. خرجوا ليحلم كل منهم بيوم يكون هو فيه من يقف مكاني. لم أستطع أن أتمالك نفسي وأنا الذي سيخرج من السجن، وهم باقون بعدي!
كانوا أكثر عزيمة مني وأكثر صلابة. أكثر تحديًا لإرادة السجان. ودعتهم جميعهم. عانقت الكثيرين منهم، خصوصًا من عاشوا معي في الغرفة نفسها، أو الذين كنا معهم نحرر مجلة السجن المنسوخة بخط اليد (نفحة الثورة والعطاء)، والتي كانت ممنوعة، وتتنقل بين الغرف خفية عن السجان .

ودّعت أبطالاً لا تزال صورهم تعيش في ذاكرتي حتى اليوم، وأعترف لكم بأنها لن تنمحي، لأنني خزنت في ذاكرتي أكثر من نسخة عنها، لو فقدت واحدة منها استخرجت النسخة الأخرى .

ودعتهم جميعًا ودموعي تسيل على خدودي. كانت لحظات قاسية ما زلت أذكرها، وأذكر صورها الحية في ذهني.
عندما ودعت (أبو الدوح) قبّلته، وشدني لصدره وشد على يدي حتى كادت تنكسر، وقال لي هامسًا: الوداع.. الوداع. بكى كثيرًا كأنه كان يعرف أننا لن نلتقي مرة أخرى.

كان (أبو الدوح) طويلاً. عريض المنكبين. قوي البنية. يصلح أن يكون ملاكمًا مثل مايك تايسون، أو محمد علي. أهم ما فيه طيبة قلبه. لم يكن (أبو الدوح) زعيمًا، ولا مسؤولاً في تنظيم، ولا منظّرًا. كان ببساطته مثال الأسير المناضل من أجل وطن، ومن أجل قضية .
على الرغم من المدة القصيرة التي عاشرته فيها بالسجن (ثمانية أشهر)، فقد استطعنا أن نكون أصدقاء رائعين.

كنا أسرة واحدة في غرفة رقم واحد في سجن نفحة. كانت تضم ثمانية أسرى لا غير، فقد كان سجن يتكون من عشر غرف كل غرفة فيها ثمانية أسرى، يعني ثمانين أسيرًا، إضافة إلى غرفة غسيل الأواني، وغرفة مكتبة، وغرفة العيادة، وساحة صغيرة لم تكن تزيد عن ثلاثين مترًا مربعًا لا تصلح للركض أو حتى السير .

أهم ما يميز (أبو الدوح) كان بشاشته. كنا نمزح معًا طيلة الوقت.
كان يسألني دائمًا هو أو الشيخ فضي:
 كيف؟
فأرد عليه قائلاً:
 مثل اللحمة على الرغيف.

مساء أحد الأيام أواخر سنة (1984)، نادى السجان على الأسرى الذين عليهم السفر صبيحة اليوم التالي للعلاج في سجن الرملة ليجهزوا أنفسهم صباحًا باكرًا، وكان محمد دوحان واحدًا منهم، فأقمنا له احتفال وداع في غرفتنا كأنه على وشك التحرر من الأسر.
أشار لنا (أبو الدوح) بيديه وهو خارج من القسم مع السجان.
تأثرنا لفراقه.

كان (أبو الدوح) من محبّي الحلويات، فاخترع لنا طريقة تصنيع من إعداده، وهي عبارة عن تفتيت الخبز خصوصًا قشرته اليابسة بشكل صغير، ثم خلطه بعد ذلك بالسكر والزبدة والمكسرات ولا أتذكر غير ذلك، وكانت بالنسبة إلينا شهية، فماذا سنقول وليس لنا بديل آخر؟! لكن ألذ ما بها أننا كنا جميعًا في الغرفة نشارك في صنعها بدون استثناء .
نجلس على الأرض أو طرف السرير نفتفت الخبز قطعًا صغيرة، ونتبادل الحديث والنكت والأحلام .
لمَ لا يحلم الأسرى؟ أليس هم أحق الناس بالحلم؟

يكررون الأحلام كل يوم. كلهم في الغرفة كانوا عزابًا ما عداي. يحلم كل منهم بعروس أحلامه. يرسمها بخياله كما يحلو له. يضع على عينيها الألوان التي تعجبه. يقص شعرها متى أراد، أو يتركه ليصبح طويلاً. يضع على شفتيها أحمر الشفاه، وينزعه متى شاء. يلبسها أجمل ما لديه. يجعل خصرها نحيفًا. يلبسها فستانًا أو بنطلونًا أو... يقبّلها متى شاء، ويعانقها متى أراد. أليسوا بشرًا مثل كل البشر؟ لا لم تمت أحاسيسهم وأحلامهم الوردية، ولكنها ظلت مكبوتة لا يفصحون عنها لأحد .

كان أسرانا ما زالوا يحلمون بالحرية. يحلمون بالسير في شوارع القدس وغزة. يحلمون بشاطئ فلسطين وأمواج البحر ونسيمه العليل.
لم يحلموا بعمارات وسيارات. كانت أحلامهم بسيطة كبساطتهم .

كان (أبو الدوح) أكثرنا حلمًا. قال لنا: لدي أحلام كثيرة أتمنى أن أتمكن من تحقيقها. وأكمل قائلاً: لا بد أن أحققها .
لم نقل له أن تحقيق الأحلام لا علاقة له بقدرتنا أو تصميمنا، ولكنه رهن بما يخبئه القدر لنا.إلاَّ أننا تعودنا في الأسر أن لا نحبط أحدًا، وأن لا نمنعه من أن يحلم كما يريد، فماذا بقي لنا غير الصمود والحلم في زمن عربي تعيس يتنكر الكثيرون فيه لمن يقدمون أرواحهم فداء أوطانهم .
كانت حلويات (أبو الدوح) يتم تحضيرها كل أسبوع، وأظنه كان يوم سبت، إن لم تخني الذاكرة، لذلك كان يطلب منا في ذلك اليوم أن يحافظ كل منا على قطعة الخبز التي نحصل عليها لوجبة العشاء، وأن لا نأكلها لنعد الحلويات منها.

شاركت مع الجميع في إعداد الحلويات، ولكني في المرة الثالثة انسحبت؛ فقد كان تفتيت الخبز قطعًا صغيرة جدًّا مسألة مملّة، ورغم بساطتها فإنها متعبة، فلم يكن عندنا لا قطاعة ولا خلاطة، وكان علينا أن نقوم بذلك كله بأصابعنا، فما إن ننتهي حتى نتنفس الصعداء.
سافر (أبو الدوح)، وسافرت معه قلوبنا. مر يوم.. يومان.. أسبوع، ولم يعد، فما أن وصلت البوسطة بعد أسبوع حتى قال لنا أسير قادم من سجن الرملة- حيث المستشفى الخاص بالسجون-: (أبو الدوح) سوف يتأخر أسبوعًا آخر لأنه أقدم على قتل سجين فلسطيني جاسوس.
 كيف حصل ذلك؟

كان محمد دوحان نزيل غرفة في سجن الرملة اسمها بالعبرية (المعفار)؛ هذه الغرفة مخصصة فقط للذين ينقلون من السجون إلى المستشفى، أو من سجن إلى سجن، وتضم الغرفة عادةً أسرى من كل السجون، وعادةً ما يمكثون هناك عدة ساعات، أو عدة أيام فقط .
قيل له من نزلاء الغرفة:

 نعم.. هناك جاسوس في الغرفة. جاءت به الإدارة إلى هنا لنقله إلى المستشفى لعلاجه. لقد تسبب بموت بعض المواطنين، كما عمل على إسقاط بعض الفتيات للتعامل مع المخابرات بعد أن قام بتخديرهن وممارسة الجنس معهن وتصويرهن بأوضاع مشينة استخدمتها المخابرات في الضغط على الفتيات أو فضحهن...

 يا لطيف لقد اقشعرّ بدني. قال (أبو الدوح) .
 هذا مجرم يجب إعدامه، ولكن يجب أن يؤخذ قرار من الجهات المسؤولة على ذلك .
 لكن لماذا اعتقلوه؟
 يبدو أنه لم يلتزم بكل ما قالوه، أو ربما أرادوا التخلص منه بعد أن انكشف أمره، فاعتقلوه بتهمة من التهم لكي يتجسس على الأسرى في السجن. لا بد من التحقيق معه.
 يجب أن يعدم هذا السافل.
 لا يا صديقي.. لا يمكن أن نعدم أحدًا لم يتّخذ قرار بإعدامه من قبل قادة الأسرى حتى لا تحدث إرباكات.
 أية إرباكات؟
 نحن في سجن (معفار)، ولدينا أسرى محكومون أحكامًا بسيطة، فقد يجري محاكمتهم لأنهم لم يبلغوا عن الجريمة.
 أنا أؤيد هذا الرأي. قال آخر .
 حسنًا لنحقّق معه.

طلب منهم أن يبتعدوا عنه، وأن يجلسوا في الأسرة الأمامية، وأن يبدؤوا بالغناء والنشيد ليغطي صوتهم على صوت التحقيق .
بعد لحظات، كان الجميع في مقدمة الغرفة يجلسون على شكل دائرة، ويغنون معًا بصوت عالٍ :

جانا وجانا يابا جانا
الجيش على الدار جانا
ولا تخافي يا يما
ولا تكوني زعلانة
وتذكري يوم أجا الجيش
بنص الليل أخذوني
لا خلوني أودعكم
ساعة الاعتقال حانا
.....
.....

ذهب إلى الجاسوس ونادى عليه: أريد أن أكلمك في أمر مهم. جلس معه في زاوية الغرفة البعيدة عن الباب، وهناك بدأ التحقيق معه. كان منظر (أبو الدوح) إذا عبس مخيفًا مرعبًا خصوصًا عندما يكون الناظر جاسوسًا يخاف من خياله. اعترف بكل التهم، وكتب تقارير كاملة حول تجسسه على الوطنيين ومتابعته لهم، واعترف أنه قام بكل ذلك لأن المخابرات أغرته بالفلوس والنساء، وبعد أن ورطته أول مرة حاول أن يتراجع، ولكنهم هددوه بكشف أمره، فخاف وبقي متورطًا.

هاله حجم الخدمات التي قدمها الجاسوس لأسياده الصهاينة، وخصوصًا عندما شرح كيف كان يُسقط الفتيات، فثارت ثائرته، وقرر لوحده إعدام الجاسوس، وتحمّل نتائج الموقف.
بعد أن قرأ عليه لائحة اتهامه، قال له: قررت الثورة الحكم عليك بالإعدام.
 أرجوك الرحمة. أنا نادم على ما فعلت. قال الجاسوس لدوحان.
وضع (أبو الدوح) يده على رقبة الجاسوس وبدأ بالضغط عليها، وكان كلما تذكر كيف كان الجاسوس يخدّر الفتيات ويغتصبهن، يشد أكثر على رقبته دون أن يتحرك له رمش عين. أراد أن ينتقم لشرفهن مرة واحدة. كان الجاسوس يقاوم بحرارة الروح، ولكن غضب (أبو الدوح) ويديه القويتين لم تتركا له مجالاً للحياة، فمات دون أدنى رحمة.
بعد ذلك أمر (أبو الدوح) الجميع العودة لأسرّتهم، ونادى السجان من باب الغرفة.
 صوهير) يا سجان بالعبرية).
 ما أتا روتسيه (ماذا تريد؟).
 بو تكح كلف شلخيم (تعالوا خذوا كلبكم).
 كلف شلانو؟ ( كلبنا؟ هل عندكم كلاب في الغرفة؟)

بدأ السجان يتفحص الغرفة من الخارج.
 تعالوا خذوا كلبكم؟
 ماذا تقصد؟

دخل (أبو الدوح) إلى آخر الغرفة. حمل جثة الجاسوس بين يديه، وعندما اقترب من الباب رماها بقوة على الباب، فأحدث ذلك ضجة كبيرة، وسرعان ما ضرب السجان يده على جهاز الإنذار الذي يحمله، فحضر بلمح البصر عدة سجانين بالعصي والهراوات.
فتحوا الغرفة ودخلوا:
 ما هذا؟
 كلبكم.
 من قتله؟
 الثورة.
 ماذا؟
 أنا نفذت القرار وقتلته. لماذا؟ لأنه جاسوس لكم.

ألقوا القبض عليه، وربطوه بالقيود، ونقلوه إلى زنزانة انفرادية. ظل هناك لعدة أيام، ثم أعادوه إلى (المعفار) بعد أن حققوا معه. قال لهم: أنا نفذت قرار الثورة، وعاقبته جزاء خيانته. لم يهتم بما سيحكمون عليه، فقد كان محكومًا بالمؤبد؟
 حتى لو عاقبوني، فقد أرضيت ضميري.
هؤلاء الجواسيس لا يجب التساهل معهم. على الثورة أن لا ترحم أحدًا منهم. معاقبتهم هي التي ستحد من تناميهم، ومن قدرة المخابرات الصهيونية على تجنيد المزيد منهم.

تحرر (أبو الدوح) من الأسر، وكان ضمن المنقولين إلى لبنان. ودّعه رفاقه على اللقاء بعد التحرر. لم تدم فرحتنا طويلاً، فبعد قصف دامٍ صهيوني لأحد المواقع، جاء نبأ استشهاده. بكى جميع من عرفه، وأبّنوه، واحتفظنا بصوره في ذاكرة كل منا نستعيدها متى أردنا.
العام (2006) كان عام الخوارق والعجائب. وصلتني رسالة إلكترونية غير عادية لم أصدقها. ترددت كثيرًا جدًّا قبل الرد عليها. كانت من طالبة مدرسة من غزة تقول إنها ابنه محمد دوحان، وأن أباها ما زال حيًّا.

ما زال حيًّا؟ كيف؟ ألم يبلغني رفاقه أنه استشهد؟ ألم أقرأ بيانات النعي له على صفحات الجرائد آنذاك؟!
قد تقصد أنه حي في قلوبنا. أرسلت لها مستوضحًا، فجاءني الرد أنه حي يرزق. إذًا الشهداء يعودون؛ يعودون بلباس جديد وروح جديدة.
طلبت رقم هاتفه لأتحدث معه. أأتحدث مع الأموات؟ كلا.. إنني سأتحدث مع الشهداء.

وما الفرق؟ أليسوا أمواتًا؟ كيف نتحدث إليهم؟ لعلها خدعة. دعني أجرّب.
اتصلت به، فجاء صوت من بعيد:
 السلام عليكم.
 وعليكم السلام.
 هل أنت محمد دوحان؟
 أتشك في ذلك؟
 هل أنت الذي كنت معنا في سجن نفحة؟
 أنا هو في الغرفة نفسها مع الشباب.
 هل تذكر أحدًا منهم؟
 ألا تصدق؟ لا ألومك يا عادل، فقد اعتقد الأهل في البداية أنني استشهدت، ولكن كانت الشهادة نصيب شخص آخر معي، ونجوت أنا من موت محقق. لقد أخبرنا عبد العزيز أبو القرايا عما كتبته عني، ودعاني إلى مكتبه لأقرأه، فأخبرت ابنتي أن تكتب لك.
 لكني قرأت في...
 أعرف. لقد كتبوا عني بأنني الشهيد، حتى أهلي فتحوا لي بيت عزاء. كانت الاتصالات بين لبنان وفلسطين مقطوعة، ولم يكن في تلك الأيام لا شبكة عنكبوتية ولا هواتف محمولة، أنسيت؟ فلم يعرفوا أنني حي إلا بعد وقت طويل جدًّا.
 لا أصدق، وكيف عدت إلى غزة؟
 عشت بعد ذلك في سوريا، حتى خروج القوات الصهيونية منها، فعدت مع عائلتي، وها أنا الآن فيها صامد.
 أنا الآن لا أعرف كيف أصف لك مشاعري؛ هل أصدق؟ أم أكذب؟ ليتك أمامي يا محمد. من كان يصدّق أن الشهداء يعودون؟ أنا سعيد بسماع صوتك...

لم أعرف ماذا أقول له. كيف أخاطب الشهداء، وبأية صفة أحدثهم؟ هل زالت عنه قداسة الشهداء؟ كيف؟ وقد ظل عشرين عامًا في ذاكرتي شهيدا للوطن؟ سأحتاج إلى عشرين مثلها لأغيّر مرتبته داخل تلك الذاكرة. ترى من أين تأتي قدسية الشهداء؟ ألأنهم ماتوا، وفارقونا؟ أم لأنهم قدّموا للوطن أجمل ما يملكون؟

ألم يقدم سنوات شبابه الطويلة من أجل الوطن؟ ألا يستحق أن يكون من شهدائه الأحياء؟

(حزيران 2005)


تعقيبك على الموضوع
مشاركة منتدى:
أبو الدوح
الجمعة ١ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٦
بقلم حسن شكشك

ااخي كاتب قصه ابو الدوح اود ان اعلمك بان ابو الدوح حي وحو الان عاد من المهجر ويسكن مدينه خانيونس في قطاع غزة وهي مسقط راسه



تصحيح

الرد على هذه المشاركة

في هذا القسم أيضاً