الصفحة الرئيسيةقصص وسرد
صورة حية لشعب يقاوم
حدث في العيزرية
الأربعاء ٨ أيار (مايو) ١٩٩٦
بقلم عادل سالم

انطلقت سيارة الجيب التي تقل عدداً من الجنود الإسرائيليين من موقعها في غربي القدس متوجهة الى قرية العيزرية القريبة من عاصمة فلسطين المحتلة في مهمة أمنية بعد وصول أنباء عن وقوع حوادث "شغب" كما تسميها إسرائيل.

سيارة الجيب وصلت العيزرية، وبدأ تجوب شوارعها الضيقة، بينما أعطى مسؤول الدورية الضابط (يروحام) أوامره للجنود بمراقبة أية تحركات غريبة أو تجمعات مثيرة "للشغب". سائق السيارة موشي كان يغني أغنية للمطربة "عوفرة" وهو ينتقل بالسيارة من زقاق الى آخر. فجأة اهتزت السيارة وكادت أن تسقط عن الشارع الى الوادي البعيد بعدما هوى شيء ثقيل على زجاج الجيب فحطمه. السائق موشي فقد السيطرة على الجيب فاصطدم الجيب بالحائط. قفز أحد الجنود من السيارة وأسرع يركض باتجاه شبح بعيد، كاد أن يختفي وهو ينتقل من زقاق لآخر، والجندي "زئيف" يركض خلفه حتى أمسكه بعدما أنهك من التعب. نظر الجندي في وجه الشخص فإذا به طفل لم يتجاوز الثالثة عشرة، رغم أن طوله يوحي غير ذلك. أمسك الجندي برأس الطفل حسن، وبدأ يكيل له اللكمات، ثم جره معه لقائد الدورية "مار يروحام" قائلاً:
 هذا هو المخرب مار يروحام ..
نظر القائد الى الطفل حسن، ثم صوب بندقيته نحوه قائلاً:
  الآن سوف تموت، ولن ترى أمك ولا أباك، إلا إذا اعترفت عمن اشترك معك في ضرب الدورية بالحجارة.
خاف حسن ، وتساقطت الدموع من عينيه، خصوصاً عندما اقترب منه وهو ينظر اليه بغضب..
 حسن: طيب .. سأحكي...انه...مصطفى
 يروحام: وأين يسكن؟
 حسن: في المكان الفلاني..

انطلق الجنود ومعهم حسن الى بيت المتهم الخطير، وبينما هم في طريقهم، كان (يروحام) مسروراً أنه سوف يقدم لقائده الجنرال "عيزرا" متهماً خطيراً يحرض الأطفال على ضرب جيش الدفاع الإسرائيلي، وقال في نفسه، لعل ذلك يساهم في ترقيتي الى رتبة عسكرية أعلى.. وبينما هو يفكر في ذلك حتى وصلوا الى بيت مصطفى.

أصدر يروحام أوامره الى الجنود بالاستعداد وتم توزيعهم حول البيت، وعندما حرك القائد يده، بدأ الجنود مرة واحدة بالطرق على البيت "الباب والشبابيك" بطريقة تثير الرعب والهلع في سكانه، مع أنهم كانوا قادرين على استعمال جرس البيت ولن يتوانى أحد عن الرد عليهم.

فتح أبو مصطفى الباب ففاجأه الجنود مصوبين البنادق الى صدره.

 سأله "يروحام": اسمك، رقم هويتك، (بدنا نفتش البيت).. دخل الجنود يتفقدون أهل البيت ثم تم تجميعهم في غرفة واحدة.
نظر يروحام لحسن الذي كان في رفقتهم:
 أين مصطفى
 قال حسن: موجود.
أدار "يروحام" وجهه لوالد مصطفى وسأله: أين مصطفى ، فرد عليه أنه نائم في الغرفة الداخلية.

هز "يروحام" رأسه وهو يعتقد بأنه أصاب الهدف، وأصدر أوامره الى أحد الجنود الذي دخل الغرفة وخرج منها مع طفل لا يتجاوز ثماني سنوات.
 نظر يروحام الى الجندي قائلاً: أين مصطفى؟
 نعم هذا هو .
لم يصدق ما سمع، فأعاد السؤال ثانية لحسن : هذا مصطفى الذي ضرب معك الحجارة على الجيش؟!
  نعم، ثم بكى.

اقترب يروحام من الطفل ودقق النظر الى وجهه، وتساءل في نفسه، هل أعتقله وأسلمه للجنرال عيزرا، الذي إن لم يضحك علي، فعلى الأقل لن يعتبرني قمت بعمل يرفع من شأن إسرائيل..

هل أقبل أن أقف في المحكمة لأشهد أمام القاضي أن هذا الطفل هو الذي جعلنا نعيش لحظات من الرعب هذا اليوم؟

أنا القائد "يروحام" خدمت عشرين سنة في جيش الدفاع الإسرائيلي، ولي احترامي بين الضباط والأفراد.. ولا أريد أن يهتز هذا الاحترام.

رفع "يروحام" عينيه عن وجه الطفل المرتعب وتطلع الى جنوده الذين كانت وجوههم تعبر عن الاستغراب، ثم نظر الى والد مصطفى قائلاً: هذه المرة سلمت الجرة.. (دير بالك) يمكن مرة ثانية مصطفى يموت برصاصة جندي طائشة.. ثم أمر جنوده بالانصراف، ومعهم المتهم حسن متوجهين الى مركز الجيش، وبعضهم يقول في مخيلته. إن شعباً هؤلاء أطفاله، شعب يستحق الحياة.

ملاحظة :

كتبت في

28/05/1994


عزيزي القارئ

هذا الحدث، حدث حقيقي، وليس من الخيال، إنها قصة حصلت بتفاصيلها عام 1982، عندما انتفض السكان أثر هجوم المدعو غودمان على المسجد الأقصى في نيسان 1982.


تعقيبك على الموضوع
مشاركة منتدى:
حدث في العيزرية
الجمعة ٣٠ آذار (مارس) ٢٠٠٧
بقلم ابن العيزرية

الله يقويهم..ويحميهم يا رب



شموع الحب

الرد على هذه المشاركة

في هذا القسم أيضاً