الصفحة الرئيسيةقصص وسرد
العائد من الموت
الأربعاء ٣٠ آذار (مارس) ٢٠٠٥
بقلم عادل سالم

ركضت مسرعا، محاولا أن أفلت منه، رغم أني لست سريعا في العدو فوزني يمنعني أن أركض بسرعة لكني أحاول كل جهدي أن أكون أسرع منه . خوفي أن يمسكني يجعلني أطير كأنني بوزن الريشة .

يا إلهي كاد أن يمسك بي فأنا أسمع وقع خطواته خلفي تماما .
أسرعت الجري، فأنا بين الحياة والموت .
لن أتركه يمسك بي .
لن أترك هذه الحياة بسهولة، ليس أمامي من خيار ثالث إما الإفلات بأية طريقة وإما الموت .
يبدو أن من يواجه الموت يقاوم بشراسة حتى الرمق الأخير، إنها حرارة الروح التي طالما سمعت عنها .
  ياربي ساعدني فأنا الآن أحتاج لرحمتك أكثر من أي وقت مضى . أولادي بحاجة لي، كيف أتركهم وهم صغار السن ، لا زال شادي الصغير الآن ينتظرني وراء الباب، يا الله لم أقبله هذا الصباح قبل أن أغادر البيت كغير عادتي .
  ليته يأتي الآن ويفتح لي باب النجاة .
  أقسم لو نجوت من هذا الموت لأصلين شكرا لله .
  ها ها ها الآن تذكرت الله، وكأنه بحاجة لصلاتك وصيامك ؟!

يا إلهي لا زال يركض خلفي، كيف لم يمسك بي حتى الآن يبدو أنه يريد إرهاقي قبل أن يهجم علي ليغرز أنيابه في جسمي، ما هذه الحرارة التي دبت في جسمي، أكاد لا أحس بقدمي، ولا أعرف كيف أركض دون تعب.
إنه الخوف ، لكني لا أعلم أهو خوف من الموت أم خوف على الأولاد من بعدي أم ماذا ؟ ....

لم لا أحاول الالتفات خلفي لأعاين المسافة بيني وبينه، لا لا هذه فكرة سيئة فالالتفات للخلف يقلل من سرعتي للحظة فيقترب مني أكثر وربما أسقط على الأرض فيهجم علي، كلا لن ألتفت .

لا أدري لماذا قدمت إلى هذه الغابة ؟؟ ما الذي أقنعني أو أغراني بهذه المخاطرة للصيد، أنا لم أذهب للصيد طيلة خمسين سنة فما الذي أدخل هذه الفكرة لرأسي، كما يقول المثل بعد ما شاب أرسلوه للكُتّاب .

ترى ماذا تفعل الآن زوجتي مع الأولاد ؟ أتراها تعد لهم طعام العشاء ؟
سعيد جالس يشاهد التلفزيون كعادته في تلك الساعة وعصام الآن يضرب شادي لأنه يلعب في ألعابه .

يا أحبابي العبا معا، عيب يا بابا تضرب أخاك، هذا أخوك حبيبك .
  يا بابا أخذ لعبتي
  طيب يا بابا العب في غيرها
  لا يا بابا هو يلعب في غيرها
  طيب يا حبيبي العبا مع بعض

يا سلام لقد اقتربت من شجرة عالية، ماذا لو فكرت التسلق عليها بسرعة لكن من يضمن أن أتسلقها بسرعة إذ ربما ينقض علي قبل أن أبدأ بالتسلق، لا لا لن أتسلقها سأستمر بالجري وسوف لن يمسك بي .

أصبحت عداءا كبيرا مثل شيبوب الأخ الشقيق لعنتر
أين أنت يا عنتر، آه لو تعيرني سيفك للحظة، لكن ماذا أفعل بسيف عنتر؟ فأنا بالتأكيد لن أستطيع أن أحمله ولا أن أستخدمه .

آخ أخ يبدو أنه وصلني، شعرت بيده تضرب مؤخرتي ، يبدو أنها شقت البنطلون، ترى أي جرح ترك تحت البنطلون ؟
اقتربت ساعة الموت . ياه لو أضم أولادي ضمة واحدة لصدري
يا رب أحطهم بعنايتك إن لم أعد لهم .
ربي إني أستودعك أبنائي فليس لهم غيري .
لم أترك لهم مالا يعيشون به .
صحيح أن إخوتي كثر لكني على علم أن أحدا لن يسأل عنهم ، فكيف يسألون عنهم بعدي ولم يسألوا عنهم وأنا حي .
رحماك يا ربي، أأموت بهذه الطريقة ؟
رحمك الله يا عمر الخيام : الموت حق لست أخشى الردى
وإنما أخشى فوات الأوان .

ما الذي فعلته لتكون نهايتي هذه النهاية السوداء ؟
اللهم إني أستودعك أولادي فلا أريدهم أن يعيشوا على الصدقة ولا على إحسان الأقارب .
آه يا ربي ما هذا يبدو أنني اقتربت من واد كبير .

أنا على سفح جبل، إذا سقطت منه سوف تكون نهايتي الموت سقوطا من أعلى الجبل لأسفل الوادي . لا خيار عندي إما الموت بفكي حيوان مفترس وإما القفز إلى قعر الوادي السحيق .خياران أحلاهما مر .

لا لا الموت من أعلى الجبل أسهل، على الأقل سأموت مرة واحدة لكن لو ألقى القبض على هذا الوحش اللعين فسوف يأكلني قطعة قطعة، سأتفرج عليه يأكلني قطعة قطعة أو يغرز أنيابه في رقبتي حتى الموت لا لا لا لا أريد أن أموت هكذا.

حسنا على القفز من قمة الجبل، لأهيئ نفس الآن .
لقد تعبت من الركض على كل حال لم يبق عندي أي خيار آخر .
ها أنا أقترب من حافة الجبل المطلة على الوادي لأسرع أكثر .

واحد اثنان ، ثلاثة أغمضت عيني ثم قفزت بكل سرعة
هووب يا الله أشهد أن لا إله إلا الله .
فجأة شعرت بشيء وقد أمسك برجلي يبدو أنه قفز خلفي، أطبق أنيابه على أحد أقدامي فصرخت من شدة الألم : آآآخ
كان ألما شديدا وصراخي أشد، صرخت بأعلى صوتي وردد الوادي معي صرخات الألم وكأن الأرض اهتزت لألمي .

فتحت عيني لأجد نفسي على السرير وزوجتي تهز بي وتتمتم : بسم الله الرحمن الرحيم وابني الصغير يبكي على سريره .
نظرت حولي غير مصدق هل كنت في حلم ؟؟
تحسست رأسي وجسمي ورجلي، وزوجتي تسألني خير اللهم اجعله خيرا .

لم أجبها
قفزت من السرير ، ذهبت للحمام نظرت إلى وجهي في المرآة، كان شاحبا جدا يشبه وجه الأموات وتبدو عليه كل ملامح الخوف.
لم يكن مجرد حلم .
 يبدو أنني كنت في رحلة موت، لكن الله كتب لي عمرا جديدا
 لكني أقسمت لو عدت سالما أن أشكره على ذلك .
 أخاف أن أموت قبل أن أشكره، العمر قصير ولا تؤخر عمل اليوم إلى الغد .

فتحت حنفية الحمام أو الدوش، وبدأت بالاستحمام
توضأت وصليت الفجر


تعقيبك على الموضوع
في هذا القسم أيضاً